محمد صالح الرويشان
هذه مقالة نشرها كاتب هذه السطور بتاريخ 18\7\2003م في "منتدى المجلس
اليمني" بمعرف تايم ويعيد نشرها للتاريخ.. فما أشبه الليلة بالبارحة..
هذه دعوة مفتوحة ودعاء موصول لاستقالة الأخ علي عبدالله صالح من رئاسة
الجمهورية اليمنية بعد أن أكمل عامه الخامس والعشرين على كرسي الرئاسة.
وهي دعوة ودعاء مبنيان على حب اليمن وحب أبنائه جميعا ومن ضمنهم بل وفي
مقدمتهم رئيسنا باعتبار أنه ولي الأمر ونصيحتنا له واجبة ودعاؤنا له دعاء
لأنفسنا وأهلنا ووطننا. وقديما قال أحد التابعين "لو كانت لي دعوة مستجابة
لادخرتها لولي الأمر لأن في صلاحه صلاح للناس وفي فساده فساد لهم".
وهذه الدعوة وهذا الدعاء يستندان إلى ما يلي:
1- إن الحاكم "العظيم" ليس من يحقق المنجزات بل من يؤسس المؤسسات التي
تنتج وتحمي هذه المنجزات. وقديما قال حكيم الصين – والحكمة ضالة المؤمن "
"أعط رجلا سمكة تطعمه ليوم واحد، علمه الصيد تطعمه مدى الحياة".
ولا يقولن أحد أن دولتنا قد صارت دولة مؤسسات بمجلسي النواب والشورى
والحكومة والمجالس المحلية ...الخ لأننا نعلم جميعا علم اليقين أن الرئاسة
وشخص الرئيس تحديدا هو السلطة الأولى والأخيرة وأن كل ما عداها مجرد هياكل
قائمة على رضا الرئيس واستمزاجه بقرارات جمهورية وليس على دستور أو قانون.
2- إن السلطة المطلقة مفسدة لأي شخص مهما حسنت نواياه أو حتى سلوكه. وإن
أي شخص يتم إعطاؤه سلطة مطلقة يصير كل همه وخصوصا بعد مضي فترة من الزمن –
فما بالنا بخمسة وعشرين سنة – هو أن يلغي معارضيه بشتى طرق الإلغاء
ويستقطبهم بشتى طرق الاستقطاب ويهمشهم إذا لم يقدر على الإلغاء أو
الاستقطاب. والخطير في الأمر أنه قد يعتبر كل من يراهم أو يرون أنفسهم أو
حتى يراهم غيرهم أندادا له يمكن أن ينصحوه أو ينتقدوه أو يحلوا محله في أي
ظرف, الخطير أنه يعتبر كل هذه الكفاءات معارضة أو على أحسن تقدير غير جديرة
بالثقة.
ويحمد الكثيرون للأخ علي عبدالله صالح أنه حرص طيلة الفترة الماضية أن
يتجنب الوسائل الدموية في التعامل مع معارضيه وأنداده. كما أن كثيرا من
معارضيه قدموا له خدمات جليلة عندما أرادوا أن يلعبوا لعبته ويمارسوا
طريقته من غير أن يكون لديهم ما لديه من الدهاء والإمكانيات, فزلوا وزالوا.
والحقيقة أن هذه اللعبة الخطيرة – لعبة الإلغاء أو الاستقطاب أو التهميش-
"نظيفة" كما يمكن أن يقال, إلا أنها كلفت اليمن أرضا وإنسانا ثمنا باهظاً.
لقد تم استنزاف طاقات وعقول في مجرد لعبة لا تبني بقدر ما تهدم ولا تجمع
بقدر ما تفرق. ومع كل جولة من جولات هذه اللعبة – الانتخابات تم تفريغها من
محتواها الحقيقي وصارت جزءا من هذه اللعبة – تطفو على السطح مجاميع من
المنافقين والمرتزقة الذين لا همّ لهم إلا تنفيذ الأوامر والتوجيهات دون
نقاش من أجل استمرار تدويرهم في المناصب وجمع الغنائم.
3- ومع ضرورة الاعتراف بأن الأخ علي عبدالله صالح كانت له إيجابيات يأتي
في مقدمتها سعة صدره وتسامحه - كما يقال- وكانت له كذلك منجزات يأتي في
مقدمتها المشاركة في تحقيق الوحدة ثم الدفاع عنها. ولا ينبغي أن نكون ممن
ينسبون أمر إعادة تحقيق الوحدة- حلم كل اليمنيين - أو الدفاع عنها له كليّا
كما يفعل المنافقون ولا ممن ينكرون أهمية دوره كما يفعل الحاقدون. ولولا
فضل الله ثم رجال كانوا معه في هذه وتلك لما تحقق أي من هذين المنجزين
الجليلين وكذا بقية المنجزات.
ولكن الاعتراف بمزايا ودور الرئيس ينبغي أن لا يجعلنا نغفل أو نجامل. إن
الزمن بعد ربع قرن من الحكم لم يعد في صالحه ولا صالحنا. فالأمور كما رأينا
بالسلطة المطلقة والصراع المستمر – "لعبة الديمقراطية" كما يسميها البعض
وكما يسميها هو- هذان الأمران يقودان اليمن نحو الأسوأ.
وبعد سرد الأسباب التي دفعت لطرح هذه الدعوة المفتوحة ورفع هذا الدعاء
الموصول، وبرغم ما يبدو من ضباب و سوداوية في الحاضر والمستقبل إلا أنه
لابد من التفاؤل بأن هناك فرصة تاريخية للخير وحماية المنجزات واستمرارها.
وتتمثل هذه الفرصة في أن يقدم الأخ الرئيس علي عبدالله صالح استقالته ويضع
نفسه في خدمة رئيس جديد يختاره أهل الحل والعقد في اليمن. وليس من المقبول
أن يكون الرئيس الجديد نجل الرئيس الحالي ولا أحد أقاربه لأن أي من هؤلاء
سيكون بالتأكيد أقل منه وعلى أحسن الظروف امتداد له وهذا يعني الاستمرار
بالمضي نحو الأسوأ. كما إن الرئيس الجديد لا ينبغي أن يكون أحد رؤساء أو
أمناء أو أي من قيادات الصف الأول في الأحزاب جميعا ويفضل أن لا يكون حزبيا
مطلقا تجنبا لدواعي الصراع والتنازع. وقد يظن الكثيرون أنه مع استثناء كل
هؤلاء من فرص الترشيح فإنه لا يوجد أحد جدير بمنصب الرئيس! وهل عقمت نساء
اليمن بل هل عقمت اليمن عن أن تنجب مثل علي عبدالله صالح الذي جاء إلى
الرئاسة أو جيء به إليها ولم يظن أحد أنه يبقى فيها يوما واحدا؟! إن الظن
بأنه لم يعد في اليمن مثله أو أحسن منه – ومن حقنا أن نطمح بالحصول على
الأفضل – إن هذا الظن هو اتهام لعلي عبدالله صالح قبل أن يكون اتهام لليمن.
وختاما.. فهذه دعوة مفتوحة لكل أبناء اليمن أن يحملوا هذه الدعوة بجدية
ويقدموا هذه النصيحة بإخلاص دون سباب أو مهاترات. كما هي دعوة لكل من لديه
قدرة على تقديم التنظيرات الشرعية والقانونية والسياسية والاقتصادية لهذه
الدعوة حتى تجد أذنا صاغية وقلبا مفتوحا عند كل رجالات اليمن وفي مقدمتهم
علي عبدالله صالح الذي إن استجاب لذلك فسيدخل التاريخ من أوسع أبوابه.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر أونلاين