المصدر أونلاين- منصور الجرادي
كانت المرة الأولى التي أزور فيها مديرية سنحان التي حكم احد أبنائها
اليمن لـ 33 عاما.. خرجت برفقة مجموعة من الأصدقاء من صنعاء الساعة الواحدة
ظهرا، وقبل الساعة الثانية كنا قد وصلنا مديرية سنحان والتي ضم إليها أيضا
بني بهلول في وقت متأخر.
مررنا ببيت الشاطبي، وشعسان وهي منطقة مسقط رأس الرئيس الأسبق لليمن
عبدالله السلال، ويتزعمها حاليا الشيخ هادي احمد الحشيشي، ثم منطقة سيان
وهي التي ينتمي إليها اللواء عبدالملك السياني وزير الدفاع السابق، وعلي
أحمد السياني مدير الاستخبارات العسكرية السابق، وهما مناوئان للرئيس
حاليا، وبعد "السياني" أطلت السيارة على منطقة "مقولة"، وتبدو مقولة أكثر
ارتباطا في أذهان اليمنيين بسنحان، لكثرة القيادات العسكرية التي تنتمي إلى
مقولة، ومنهم أو أشهرهم مهدي مقولة قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، وفي
مقولة حطينا الرحال في ضيافة زميلنا عبدالحكيم الأزرق أحد أبناء سنحان،
هؤلاء البشر البسطاء جدا، بساطة أهل اليمن إذ يعدون جزءا من التكوين اليمني
القبلي والقروي المترامي في كل جغرافيته الكبير.
تناولنا وجبة الغداء وغادرنا منزل الأزرق ذلك الرجل الذي اغترب في المملكة
السعودية لسنوات طويلة في عهد الرئيس علي عبدالله صالح، حتى يوفر لقمة
العيش لأسرته المتواضعة، وحتى يوفر لهم سكنا ملائما في سنحان، وهو عبارة عن
بيت متواضع للغاية، وقد رحل عن الدنيا حتى قبل ان يتمكن من إنهاء بنائه
الذي يحاول ابنه من بعده ان يستكمله..
* مديرية سنحان وبني بهلول تعد مديرية سنحان وبني بهلول أكبر مديريات محافظة صنعاء سكانًا، وصل عدد
سكانها في العام 2004م نحو 200 الف و427 نسمة، وتقع مديرية سنحان في جنوب
شرق العاصمة صنعاء ومتصلة بها، وتشتمل على كثير من القرى منها حزي ، ودبر،
ودار عمر، ودار سلم "وريمة حميد" وبيت الأحمر وبيت حاضر وسامك، ومن قراها
سَّيان وشعسان وضبوة وبيت نمير ومقولة والتخراف والمحاقرة وعمد، وبيت
الشاطبي ونعض ومسعود والألجام والجيرف وضبر خيرة وهجرة قروان وبير الهذيل
والجردا وذراح والضبعات والتخراف.
ويذكر المؤرخون أن سنحان سميت بهذا الاسم، نسبة إلى سنحان من ولد صُدا ،
وهو "يزيد بن الحارث بن كعب بن عُلة بن جلد بن مالك" وهو مذحج بن أدد بن
زيد بن يشجب وهو عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان.
ومن أشهر جبالها جبل كنن يقع ما بين سنحان وخولان العالية، وكذلك جبل الخطفة المطل على قرية التخراف وجبل رهم وجبال حدَّين.
أما اودية سنحان فأشهرها وادي قروى ووادي سيَّان ووادي مقولة ووادي خدار
ووعلان ووادي سامك ووادي مرحب ووادي هروب ووادي حبابض ووادي يكلى ووادي
الشرب ووادي عرقب ـ فالشرب وعرقب الحد ما بين ذي جرة وعنس، ويحدها من ناحية
القحف "الحدا بن نمرة" ومن ناحية يكلى جبرة، وهي الحد الفاصل بينها وبين
عنس وأودية عنس، وقد يختلط بينهما بوسان والأهجر بالشرب وعرقب، ويصب واديا
سَّيان وسامك إلى فرش آنس جنوب سنحان، أما أودية سنحان الشمالية فتصب إلى
صنعاء فوادي الخارد في الجوف.
وأراضي سنحان أراضٍ زراعية خصبة، تزرع فيها معظم الخضروات والفواكه، ومن
أهم الفواكه التي تزرع فيها: التين والعنب والرمان والمشمش والفرسك وغيرها
من المحاصيل الحقلية.. لكن هذه الأرض الخصبة لم يتم استغلالها بشكل جيد،
حيث يشاهد الزائر للمنطقة إهمالا واضحا لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية
التي بالإمكان ان تزرع بأنواع من الحبوب النقدية المهمة، والفاكهه
والخضروات، وخاصة أنها تطل على أودية تصب فيها مياه الأمطار التي لا يتم
استغلالها الا في سد واحد انشأ مؤخرا أمام قصر الرئيس علي عبدالله صالح،
ولا يستغل إلا لري القات وشرب المواشي على ما يبدو.. ناهيك عن عزوف أهالي
سنحان عن الزراعة، وتوجه أغلب أبنائها نحو العمل الحر أو القطاع العسكري.
* مظاهر السلاح في مدخل المديرية من جهة صنعاء، وتحديدا عند معسكر القوات الخاصة الذي
يقوده ابن أخ الرئيس صالح، طارق محمد عبدالله صالح، الذي يعد اكبر
المعسكرات، في العاصمة، وأكثرها نوعية وقوة وعتادا، كانت تقف نقطة تفتيش
تبحث عن السلاح والتعرف على الداخلين للمنطقة ولو بالنظر للأوجه، وكانت
هناك دبابتان تربضان في الاتجاهين، فيما تسكن ثكنة عسكرية لحراسة المكان،
وسرب كبير من السيارات التي تخضع للتفتيش.
اتجهنا من "ريمة حميد" التي يوجد فيها المعسكر الخاص، ومن ثم منطقتي بيت
الشاطبي، وشعسان، وحتى سيان، كان خط أسفلت واحد يقود السيارات باتجاهين،
ولم نتفاجأ بالوضع الذي تعيشه قرى هذه المديرية المشابهة الى حد كبير لما
تعيشه القرى اليمنية في كل مكان، فهي لا تفرق عنها كثيرا في الحياة أو
الخدمات، ما عدا وصول خط الإسفلت والكهرباء كنتيجة طبيعية لقرب المديرية من
العاصمة صنعاء.. لكن الملمح العام هو انتشار مظهر الفقر في اغلب بيوت هذه
المناطق التي مررنا بها باستثناء عدة بيوت تبدو لوجهاء او أغنياء المنطقة،
كما ان المظهر العام لأبناء سنحان لا يوحي البتة بانهم متميزون في الحياة
الكريمة عن نظرائهم، ان لم يكن العكس هو الحاصل.
بعد منطقة "سيان" كان هناك حشد لجمع كبير من الناس والسيارات، حسبناه
تجمعا قبليا أو متنازعين على قضية ما، لكننا سرعان ما اكتشفنا انه تجمع
لأبناء المنطقة في أحد الأعراس، إذ يخرج أبناء المنطقة لساحة بعيدة عن
المنازل يرقصون البرع ويطلقون الرصاص في الهواء، وتبدو المظاهر المسلحة
ظاهرة للعيان، في هكذا مناسبات.
وقبل ان نصل الى منطقة مقولة، كانت هناك نقطة تفتيش لمدنيين اغلبهم في سن
المراهقة، توقفنا، سألوا عن وجهتنا، كان مضيفنا يسبقنا بسيارته، قال أنهم
ضيوفي، سألنا لماذا يقطعون الطريق، أجاب أحد ابناء سنحان، أنهم يحاولون منع
البرلماني محمد عبداللاه القاضي واللواء عبدالملك السياني من دخول سنحان،
بعد وقوفهما ضد الرئيس في الآونة الأخيرة، وقيل أنهم مستأجرون لهذا الغرض،
بمقابل مالي، وان مصروفهم لم يصل بعد، بمعنى انه يمكن ان يغادروا المكان في
أي لحظة، لكننا غادرنا المنطقة وما زال التقطع مستمرا، فيما تساءل احدهم
اذا كان أيا كان يستطيع منع شخص عن قريته ومنطقته بهذه البساطة، لا أظن
ذلك.
* بيت الأحمر لا بد عند زيارة سنحان أن نمر على أشهر مناطقها وهي منطقة بيت الأحمر مسقط
رأس الرئيس علي عبدالله صالح، فالفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة.
من "مقولة" اتجهنا نحو "بيت الأحمر"، حيث يوجد مسقط الرئيس الذي حكم اليمن
قرابة 33 عاما، ولعلها تكون السنة الأخيرة وهي كذلك، إذ لا شرعية بعد قتل
أبناء شعبه لأي حاكم.. هناك عند مدخل المنطقة شاهدنا مكانا مختلفا، عن بقية
المناطق في المديرية، لقد رأينا القصور والمباني الفارهة، واكتملت الصورة
عندما شاهدنا المياه التي تواجه قصر الرئيس صالح الذي يحتل أعلى مرتفع في
المنطقة، وكأننا حينها نشاهد لوحة مكتملة تلفت الناظر إليها.
كان قصر الرئيس، وهو يحتل تلة مكانا البيت الرئيس في السابق وعددا من
المنازل المجاورة له، ولكنه اليوم أصبح قصرا يحيط به سور عظيم، من كل
اتجاه، من الصعوبة بمكان الوصول إليه الا عبر طريق واحدة، هي مدخل القصر،
الذي يحيط به الحرس الخاص من كل اتجاه، وتنصب على جوانبه التروس والمضادات
للطائرات، وبداخل السور الكبير، ستلاحظ البيت القديم للرئيس قبل ان يحكم
البلاد، وبجواره مبنى جديد وضخم، شبيه بالقلاع المحصنة، هو القصر الجديد
للرئيس، وهناك أيضا مسجد صغير حديث البناء، مبني بطراز هندي، وبجواره
المقيل الذي يتسع لمئات الأشخاص، ويطل مباشرة على السد الكبير في المنطقة
الذي أنشئ مؤخرا.
هذا ما استطعنا مشاهدته من الخارج، ربما كان هناك ما هو أكثر مما وصفناه
في الداخل، اذ من الصعوبة بمكان الدخول للقصر الذي لا يعيش فيه سوى كتائب
عسكرية لحراسته، وبالأسفل قليلا من القصر والسور توجد "بيت الأيتام" كما
ذكر لي احد أبناء سنحان، وهو يشير إلى بيت توفيق صالح وإخوانه، ومن يدري قد
يكون أيضا بيت الرئيس القديم. وفي المقابل للقصر من الجهة الأخرى شدنا
كثيرا قصر أخر لفت الانتباه إليه تلك البوابة الضخمة التي تبنى الآن، وبعرض
كبير وبأعلاها يبنى منزل مستقل ربما يكون للحرس فقط، وربما لأشياء أخرى،
وخلف السور والبوابة قصر مختفي نوعا ما عن الواجهة.
قيل لنا أن هذا القصر يعود إلى اللواء في الجيش بالمنطقة الجنوبية الشرقية
محمد علي محسن، وتتوزع عدة بيوت ضخمة هنا وهناك كلها تعود لآل الأحمر من
القيادات العسكرية المعروفة.
* مقارنة من المفارقات التي شدت انتباهي وانتباه رفاقي أن علم الجمهورية اليمنية
كان مرفوعا فوق منازل البسطاء من أهل المديرية، وعلى تلك البيوت المتهالكة
والحوانيت البسيطة، لكنها غابت تماما من على مباني القصور الرئاسية وقصور
القيادات العسكرية، والمنازل الفارهة، ولعل القارئ يلحظ ذلك في الصور
المرفقة مع هذا التقرير..
باستثناء صبغ ألوان للعلم الوطني مرسومة على بيت حراسة خشبية تتسع لشخص
واحد على مدخل القصر كانت الإعلام كلها مختفية، وغير موجودة، فيما يتسابق
المواطنون العاديون في رفع العلم الوطني، انها مفارقة لا يمكن ان تكون سهلة
أبدا.
انتهت الزيارة السريعة لسنحان وكنت اعلم أننا لم نعطها حقها من التعرف على
مناطقها والتعرف على أهلها أكثر وأكثر، ولكننا لمسنا من خلال لقائنا بعضهم
بساطة الانسان اليمني متجسدة في ابنائها، وأعني بذلك أولائك الذين لا
يزالون يسكنون سنحان ولم يتقلدوا مناصب كبيرة في الدولة والذين عددهم محصور
في آل الأحمر وبعض القيادات هنا وهناك.. غادرنا سنحان وما تزال محتشدة
بالعسكر والآليات العسكرية، والبشر، والأراضي القافرة.
عن الناس.