المصدر أونلاين - خاص
- توضيح نشر موقع ويكيليكس هذه الوثيقة بتاريخ 7 – ديسمبر - 2010. قدمت فيها
تفاصيل مهولة حول الفساد المستشري في تونس بقيادة العائلة الحاكمة، التي
طغى نفوذها باسطة أذرعها على كافة مفاصل وتفاصيل حياة التونسيين. وأكدت
الوثيقة أن مثل تلك التصرفات الفضيعة أدت إلى إثارة النقمة لدى معظم أبناء
الشعب التونسي، وعزت إليها حدوث اضطرابات في بعض المناطق التونسية.
وخلصت الوثيقة – الصادرة من السفارة الأمريكية في تونس، بتاريخ 23/06/2008
- أنه من غير الممكن أن تحدث إصلاحات في النظام، طالما بقى أولئك المجرمون
المنتهكون على رأسه..
- يفضل البعض ضم مضمون هذه الوثيقة كأحد العوامل التي أشعلت ثورة
التونسيين الأخيرة للقضاء على النظام الفاسد. الثورة التي بدأت على إثر
إحراق الشاب الجامعي محمد بوعزيزي لجسده، في 17 ديسمبر الماضي، ولم تنتهي
إلا بطرد رأسه الجمعة الماضية الموافق 14 يناير الجاري.
- إن أهمية هذه الوثيقة تأتي من كونها تنقل تفاصيل فساد وطغيان نفوذ
الأسرة الحاكمة في تونس، لكنها في الوقت نفسه كأنها تحكي تفاصيل ما يحدث –
بالضبط - في معظم بلداننا العربية. لا غرابة أن يجد القارئ لهذه الوثيقة
هذا التشابه الكبير من شاكلة: أستقواء الأسرة الحاكمة بالسلطة، بسط يدها
على المال والأرض والإنسان، بل وكل ما تراه معززاً لمظاهر الثراء الفاحش،
الذي أشتهرت به معظم الدول العربية مقابل تضخم اقتصادي كبير، نسبة بطالة
مرتفعة، فقر وعوز..
- وهنا ينشر المصدر أونلاين ترجمة نص الوثيقة الأصلية كاملاً. لنرى كما
يتشابه فساد أنظمتنا العربية. على أمل البحث في إجابة السؤال المنبثق على
خلفية ما أنجزه التونسيون مؤخراً: فهل يتشابه غضبنا؟
• نص الوثيقة: - عنوان الموضوع: الفساد في تونس: ماهو لك هو ملكي
- تاريخ الوثيقة 23/06/2008
- مصنفة بواسطة: السفير روبرت إف. غوديك
• الموجز: 1- طبقاً للمسح السنوي لمنظّمة الشفافية العالمية والملاحظات المقدمة من
مصادر السفارة، يتضح أن الفساد المالي في تونس في تفاقم مستمر. سواء كان
ذلك متعلقا بالجانب المالي أو الخدمات أو الأراضي أو الممتلكات أو نعم،
حتّى يختك نفسه، يتداول هنا أن عائلة الرئيس بن علي تطمع بالحصول عليه،
وعلى ما يقال أن العائلة تحصل على كل ما تريده بكلّ الطرق. وبعيداً عن
حكايات صفقات فساد العائلة الحاكمة الغامضة، فإنّ التونسيين [النظام
التونسي] يقدمون تقارير تشير إلى انخفاض في مستوى الفساد كما هو الحال نفسه
في التعامل مع الشرطة، الجمارك، وعدد من الوزارات.
إن التأثير الاقتصاديّ واضح على المستثمرين التونسيين – الذين يخشون
الذراع الطويلة "للعائلة" – فهم يفضّلون تجنّب الاستثمار في مشاريع جديدة،
الأمر الذي يجعل من نسق الاستثمار الداخلي منخفضاً عند أدنى مستوى، كما
يجعل من نسبة البطالة عالية (المرجع G, H). هذه الأنباء المنتشرة عن
الفساد، والمقترنة بتضخّم مرتفع ونسبة بطالة متصاعدة، ساعدت على تغذية
الإحباط من الحكومة التونسية، وساهمت في الاحتجاجات الأخيرة في جنوب غرب
تونس (مرجع A.). وطالما بقى مثل أولئك في القمة، الذين من المؤكد أنهم
يعتبرون أسوأ المجرمين، ومع احتمالية أن يبقوا في الحكم، فإنه لن يكون هناك
أية إصلاحات في النظام. أنتهى الموجز
• السماء هي الحد 2- طبقاً لمؤشّر منظّمة الشفافية العالمية لسنة 2007، فإنّ الإدراك الحسي
يقول بأن الفساد في تونس يتفاقم بشدة. فقد أنخفص تصنيف تونس في المؤشر من
المرتبة الـ 43 في العام 2005 إلى المرتبة رقم 61 في العام 2007 (من أصل
179 دولة) برصيد 4.2 نقاط (1 كلما أقترب المؤشر من 1 تكون الدولة أكثر
فسادا، و10 الأقل فساد). ورغم أنّ الفساد من العسير التحقق منه وأكثر صعوبة
على القياس، إلا أن جميع مصادرنا تؤكّد أن الوضع يتم النحو به في الاتجاه
الخاطئ.
وعندما سأل ×××××× فيما إذا كان يعتقد أن الفساد كان في تحسن أم أنه
يتفاقم أم باق على حاله، هتف ساخطاً:"بالطبع أنه يتفاقم"، وقال أن الفساد
لا يمكن إلا أن يزيد طالما أن المجرمين يبحثون عن المزيد والمزيد من الفرص
السانحة. وأضاف مازحاً أثناء حديثه حول التضخّم التونسي المرتفع، أنه حتّى
قيمة الرشاوي ارتفعت "إن توقف حركة المرور كان يكلّفك 20 دينارا فقط، أما
الآن فقد إرتفع لأكثر من 40 أو 50 دينارا"..!
• كل شيء في العائلة
3- كثيرا ما تذكر عائلة الرئيس بن علي الممتدة، على أنها معقل الفساد.
ولأنها غالباً ما تشبّه بالمافيا، فإنه وبمجرّد ذكر عابر إلى "العائلة"،
فإن ذلك يكفي لتدلّ على أيّ عائلة تعني. وعلى ما يبدو، فإنّ نصف رجال
الأعمال التونسيّين يمكنهم إدعاء ارتباطهم بالرئيس بن علي عبر المصاهرة،
وأن الكثير من هذه العلاقات قيل بأنها استفادت إلى أبعد الحدود من نسبهم.
وتثير زوجة بن علي، ليلى، وعائلتها الواسعة – آل الطرابلسي – نقمة شديدة
لدى معظم التونسيين. وكثيرا ما ترافقت التلميحات بخصوص فساد آل الطرابلسي،
بشكل دائم مع تعليقات لاذعة حول مستوى تعليمهم المتدني، ومستواهم
الاجتماعي، وطمعهم الشديد.
وبينما أن بعض من تلك التذمرات حول عشيرة الطربلسي تنبثق من إستنكاف مظاهر
الإثراء السريع لدى جماعة الطرابلسي، إلا أن التونسيون يؤكّدون أن آل
الطرابلسي يستخدمون تكتيكات أو وسائل ليّ الذّراع والإستغلال الصارخ للنفوذ
بتوظيف النّظام لتحقيق مآربهم، وهو ما يكرّس كره الناس لهم.
ويعتبر شقق ليلى بلحسن الطرابلسي هو الأكثر سوء سمعة بين أفراد العائلة
ومعروف عنه تورطه بشكل كبير في المخطّطات الفاسدة التي هزّت مجلس إدارة
البنك التونسي (مرجع B.) فيما يتعلق بالاستيلاء على الممتلكات وابتزاز
الرشاوي.
فإذا تركنا مسألة تعليقه الجانب على ما سبق جانبا، فإن استثمارات بلحسن
الطرابلسي واسعة وتشمل مجال الطيران والكثير من النّزل والفنادق وأحد
محطّتي الراديو الخاصتين بتونس، ومركّبات لتجميع السيّارات، وكالة شركة
فورد، مؤسّسة استثمار عقّاري، والقائمة تطول. (انظر المرجع K. المتضمن
قائمة أشمل لمجالات استثماره). ومع ذلك، فإنّ بلحسن هو واحد من إخوة وأخوات
عشرة معروفين لليلى، كلّ واحد منهم له أبناؤه.
ومن بين أفراد هذه العائلة الواسعة، فإن المنصف شقيق ليلى وابن أخ عماد، يعتبرون أيضاً من أهمّ ممثلو الاقتصاد الفاعلين.
4- لقد ترك الرئيس الأمور تمضي بهذه الشاكلة، مع أن العديد من التونسيّين
يعتقدون أنه يتم استغلاله من طرف عصبة الطرابلسي، وأنه لا علم له
بتجاوزاتهم وبممارساتهم. فمثلاً ×××××× وهو يعتبر من المدافعين الأوفياء عن
الحكومة وعضو في ××××××× أخبر السفير بأن المشكلة لا تكمن في بن علي،
وإنما في "العائلة" التي تتجاوز الحدود وتكسر القواعد. إلا أنه مع ذلك فمن
العسير الاعتقاد بأن الرئيس بن علي ليس على علم – على الأقلّ – بمشكلة
الفساد المستشري بشكل عام.
وهذا أيضاً ما يعكسه التقسيم الجغرافي للإقطاعيّات بين آل بن علي وآل
الطرابلسي، حيث تمركز عصبة بن علي وحاشيته على منطقة الوسط الساحلي بينما
تتمركز عمليّات عصبة وحاشية الطرابلسي حول تونس الكبرى، الأمر الذي يجعلها
تحوز على النصيب الأكثر من الشائعات.
كما أنّ فرع بن علي من العائلة وأبناءه وأصهاره من الزواج الأوّل متورّطون
بدورهم في العديد من القضايا. فبن علي لديه 7 أشقّاء وشقيقات من بينهم
"المنصف" شقيقه الراحل – وكان تاجر مخدّرات مشهور – وقد حكم عليه بالسجن 10
سنوات غيابيّا أمام القضاء الفرنسي. كما أن الرئيس لديه أيضا 3 بنات من
زوجته الأولى نعيمة الكافي، هن: غونة ودرصاف وسيرين، وهن متزوّجات حسب
الترتيب من سليم زرّوق وسليم شيبوب ومروان المبروك، وكلّهم من رجال الأعمال
الهامّين والمؤثّرين.
• هذه الأرض أرضك، وهذه الأرض أرضي 5- مع ازدهار الاستثمار العقاري وارتفاع أسعار الأراضي، يغدو امتلاك
الملكيّات العقارية أو الأراضي في المكان المناسب إمّا نعيما وإما تذكرة
ذهاب بدون عودة نحو فقدان الملكية. ففي صيف 2007 حصلت زوجة الرئيس ليلى بن
علي قطعة أرض من المرغوب فيها في قرطاج، وذلك بدون مقابل منحتها الحكومة
التونسية، من أجل الاستثمار في بناء المدرسة الخاصّة الدولية قرطاج (مرجع
F.) وبالإضافة إلى الأرض، تلقّت المدرسة 1.8 مليون دينار (1.5 مليون دولار
أمريكي) هديّة من الحكومة التونسية، وفي ظرف بضعة أسابيع أنشأت الحكومة
طرقا وإشارات ضوئيّة بالمفترقات لتسهيل الوصول إلى المدرسة. ولقد علمنا أن
السيدة بن علي باعت المدرسة الدولية بقرطاج لمستثمرين بلجيكيّين، ومع ذلك
إلا أن السفارة البلجيكيّة تعذّر عليها إلى الآن نفي أو تأكيد الخبر. وإذ
أكد ××××××× أن المدرسة وقع بيعها بمبلغ هامّ، إلا أنه لم يحدّد المبلغ.
كما أشار إلى أن صفقة كهذه تمثّل ربحا صافيا، حيث أن السيدة بن علي تلقّت
الأرض والبنية التحتية ومعها مكافأة ضخمة، كلّ ذلك بدون كلفة.
6- البناء تم بشكل قصر هائل ومبهرج مقابل إقامة السفير العام الماضي. وقد
أخبرتنا مصادر عديدة بأن هذا المسكن بني على أملاك صخر الماطري، صهر الرئيس
بن علي ومالك راديو الزيتونة. وكان المالك الأصلي قد طرد من قبل الحكومة
التونسية بمبرر استغلال الملكية من قبل إدارة المياه، لتمنح لاحقا للماطري
من أجل استعماله الخاصّ.
كما روى صاحب مقهى، لموظّف بالسفارة، قصّة مماثلة، حيث أخبره كيف أن بلحسن
الطرابلسي أكرهه على التبادل في مقهى كان يملكه في موقع رئيسي متميّز.
وصرّح صاحب المقهى أن الطرابلسي قال له أن بإمكانه أن يفعل أي شيء يريده
هناك؛ فإذا لم تكن 50 دينارا كافية كرشوة لرجال الشرطة، فإن الطرابلسي قال
له بأن المالك تكفيه مكالمة واحدة "لحلّ الإشكال".
• اليخت مطلوب 7- سنة 2006، أبلغنا أن أقارب بن علي عماد ومعز الطرابلسي (أبناء أخ
زوجته) قاما بسرقة يخت لرجل أعمال فرنسيّ واسع العلاقات، هو برونو روجر،
رئيس لازارد باريس. وقد كتبت الصحف الفرنسية بشكل واسع عن السرقة، التي
برزت إلى النور حين اكتشف اليخت بعلاماته المميّزة مطليّا حديثا وراسيا
بميناء سيدي بوسعيد.
ولقد أثار روجر المؤثّر بقوّة في المؤسّسات الفرنسية حالة من التوتر في
العلاقات الثنائية وحسب التقارير فقد أعيد اليخت بسرعة إلى مالكه. وقد عادت
قضيّة سرقة اليخت إلى البروز على السطح سنة 2008 بسبب برقية تفتيش للشرطة
الدولية في حق الطّرابلسيّين الاثنين. وفي شهر مايو، وعليه فقد عرض
الشقيقان أمام المحاكم التونسية، في محاولة لإرضاء العدالة الدولية. غير أن
التقارير لم توضح نتائج المحاكمة.
• أرني أموالك 8- يبقى القطاع المالي التونسي ضحيّة لادّعاءات جدّية حول الفساد وسوء
التصرّف المالي. فرجال الأعمال التونسيون يقولون ساخرين أن أهمّ علاقاتك هي
تلك التي تقيمها مع مدير بنكك، ممّا يعكس أهمّية العلاقات الشخصيّة على
حساب مخطّطات العمل الفعالة في الحصول على التمويل. إن نتائج استناد
المعاملات البنكية على قاعدة العلاقات الشخصية أظهرت أن نسبة القروض غير
المثمرة قد بلغت 19 بالمائة، وهي نسبة تبقى عالية رغم كونها أقل من نسبة 25
بالمائة لسنة 2001 (المرجع I.).
ولقد أكّدت مصادر السفارة بجلاء أنّ العديد من هذه القروض تحصّل عليها
رجال أعمال تونسيّون أثرياء يستغلّون علاقاتهم القويّة بالنظام لتفادي
التسديد. (المرجع E.).
إن تراخي الرقابة على القطاع البنكي يمثّل هدفا مثاليّا للاستغلال السيء،
يأتي ذلك مع العديد من الحكايات التي تتحدث حول وجود مخطّطات "العائلة
الحاكمة" بهذا الشأن. وتعتبر التعديلات الأخيرة في البنك التونسي (المرجع
B.)، التي عملت على صعود زوجة وزير الخارجية لرئاسة مجلس إدارتها وعضوية
بلحسن الطرابلسي له، آخر الأمثلة على ذلك.
وحسب ممثل عن الكريدي أجريكول Crédit Agricole، فإن مروان المبروك، وهو
صهر آخر لبن علي، أشترى 17 بالمائة من حصص بنك الجنوب سابقا (البنك التجاري
حاليّا) على الفور قبل خصخصة المصرف. وهذه الحصة البالغة (17 بالمائة)
كانت حاسمة للحصول على حقّ الإشراف بما أن صاحبها يصبح صاحب الغالبية، وذلك
لكون الخصصة شملت نسبة 35 في المائة فقط من حصص البنك. وقال ممثل الكريدي
أجريكول أن المبروك حصل على تمويله من بنوك أجنبية مع مكافأة مجزية من
الفائز بالعطاء الإسباني المغربي سانتاندر- وفاء التجاري، الذي دفع في
نهاية المطاف إلى المبروك من قيمة الكتب. ويروي ××××××× أنه في الفترة التي
كان ما يزال فيها في البنك، كان دائما يتلقّى مكالمات من العملاء
المذعورين، يخربونه أن بلحسن الطرابلسي يطلب منهم مالا. ولم يصرّح ما إذا
كان قد نصحهم بالدّفع.
• استشراء الظاهرة 9- وفي حين أن قصص الفساد العائلي عالي المستوى تعتبر من بين الأكثر فضاعة
وتكرراً، إلا أن التونسيّين يقدمون تقارير مقابلة لفساد بمستوى أقل بكثير
مما في حياتهم اليوميّة. فالبطائق المستعجلة يمكن تجاهلها، وجوازات السفر
يمكن تسريعها، والجمارك يمكن تجنبها -- وكلّ شيء له الثمن المناسب. وأن
التبرعات الخاصة بصندوق 26-26 الحكومي من أجل التنمية أو جمعيّة بسمة
للمعوّقين – جمعيّة ليلى بن علي الخيريّة – يعتقد أيضا أنها لتشحيم العجلات
[كناية عن محاولة للفت الإنتباه بعيداً، أو ربما لتسهيل عمليات الفساد].
حياة لواني (محامية)، وهي عضو مجلس نواب ذات علاقات جيدة، تعرّضت لضغوطات
كبيرة من قبل الحكومة التونسية، بعد أن رفضت عدة طلبات للتبرع بأموال لفريق
كرة قدم تابع للطرابلسي. ويقول ××××× أن مفتشوا الجمارك طالبوه بدفع 10
آلاف دينار لإدخال بضاعته عبر الجمارك، ولم يكشف إن فيما إذا كان قد رضخ
لطلبهم أم لا.
10- إن المحاباة تلعب دورا هامّا حتّى في منح التدريس وفرص التشغيل.
فمعرفة الأشخاص المناسبين في وزارة التعليم العالي قد يكفل لك القبول في
أحسن الكليات أو الحصول على منحة للدراسة بالخارج.
ويؤكّد أحد الرعايا الخارجيّين للسفارة أن مدير التعاون الدولي الذي يعرفه
منذ مدّة طويلة عرض عليه أن يمنح ابنه بورصة دراسية بالمغرب على أساس
معرفتهما ببعضهما. فإذا لم تكن لديك معرفة بشخص ما، فإن المال يمكن أن يكون
الوسيلة. وهناك العديد من القصص عن تونسيين دفعوا لأعوان وزارة التعليم
العالي حتى يدرجوا أبناءهم في أفضل المدارس التي يستحقّها من يحوز أفضل
تحصيل دراسي.
أمّا الوظائف الحكومية – وهي بمثابة الجائزة في تونس – فيعتقد أيضاً أنها
تمنح على أساس العلاقات. وقد أفادت التقارير أن والدة ليلى بن علي –
الحاجّة نانا – عرفت بوساطتها في مجال إدراج الأبناء في المدارس العليا
وكذلك التشغيل في الحكومة، عارضة خدماتها لتسهيل ذلك مقابل عمولة.
كما أنّ من بين الشكاوى المرفوعة من محتجّي الحوض المنجمي بقفصة، إشارات إلى أنّ التشغيل بشركة فسفاط قفصة يخضع للعلاقات والرشوة.
• قاعدة الغوغاء 11- لا شكّ أن حكايات الفساد في العائلة تؤلم الكثير من التونسيين، لكنّ
الإشاعات حول الاستيلاء على الأموال تثير القلق أكثر، خاصّة وأنّ
المتنفّذين يقبعون خارج طائلة القانون. أحد المعارضين التونسيّين اشتكى من
كون تونس لم تعد دولة بوليسيّة، بل أصبحت دولة تحكمها المافيا، وقال
مستنكرا: "حتّى تقارير الشرطة ترفع إلى العائلة !". وعليه فإنه مع وجود
هؤلاء المذكورين أعلاه، الذين يعتبرون أسوء المجرمين، ومرجح تمسكهم بالحكم،
فإنه لا يمكن إصلاح هذا النظام على الإطلاق.
ذكرت ابنة وال سابق أنّ بلحسن الطرابلسي دخل مكتب والدها غاضبا – لدرجة أن
بلغ به الأمر أن ألقى أحد الموظّفين أرضا وهو شخص مسنّ – وذلك بسبب أنه
طلب منه الامتثال للقانون الذي ينصّ على وجوب توفير تأمين لفضاء الملاهي
الخاصّ به. وكان والدها قد أرسل برسالة إلى الرئيس بن علي يدافع فيها عن
قراره ويندّد بممارسات الطرابلسي، غير أن الرسالة لم تلق أي أذان صاغية،
وبعدها بأيام، أقيل والدها من مهامّه.
تمكّنت الحكومة التونسية بفضل الرقابة الشديدة التي تمارسها على الصحافة
من كتمان قصص الفساد التي تمارسها العائلة، ومنع نشرها. ويمثّل فساد
العائلة خطّا أحمر خطرا بالنسبة للصحافة. ورغم أنّ سجن الممثل الكوميدي
الهادي ولد باب الله في فيفري ارتبط مباشرة بالمخدّرات، إلا أن مجموعات
حقوق الإنسان تشير إلى أنّ هذا الإيقاف جاء عقابا على عرض مدته 30 دقيقة
سخر فيه الممثل من الرئيس ومن أصهاره (تونس D.).
كما تحدثت المنظّمات الدولية المستقلّة عن الوضع المزري والمؤلم الذي يقف
عليه الصحفي المسجون سليم بوخذير الذي قيل أنه أوقف لأمتنعه من إبراز بطاقة
هويته وإهانة ضابط شرطة، غير أن تلك المنظمات أكدت أنالأمر كان يتعلق بشكل
مباشر بمقالاته النقديّة للحكومة والفاضحة للفساد. ويبقى الفساد موضوعا
يتداول بأصوات خافتة مع التفاتة حذرة إلى الخلف.
• الفيل في الغرفة 12- ويجادل عدد من الاقتصاديّين التونسيّين أنه لا يهم إذا تصاعد الفساد
في الواقع لأن "ما نراه هو الحقيقة". لكنّ استشراء الفساد وما يروج حول
صفقات الظلّ في الكواليس تحدث انعكاسا سلبيّا على الاقتصاد بغضّ النظر عن
حقيقة ما قيل. فعدد من مصادرنا عبّروا لنا عن خشيتهم من الاستثمار بسبب
الخوف من أن العائلة سوف تطمع به. "ما هي الغاية من ذلك؟" حين سئل عليّة
بالطّيب هذا السؤال، أجاب قائلاً "إن أفضل السيناريوهات هو أن ينجح
استثماري وأن يطمع بعض الأطراف المتنفّذين في نصيب منه". إن النسب الضعيفة
للاستثمار الداخلي تؤكد هذا القول (المرجع H.) ورغم عدم قانونيّتها، إلا أن
الحسابات البنكيّة في الخارج، بحسب ما يقال، أصبحت أمرا شائعاً. ولقد فشلت
سياسة الإعفاءات التي قدمتها وزارة الماليّة مؤخّرا لتشجيع رؤوس الأموال
بهدف إعادة أموالهم إلى البلاد، فشلا ذريعا.
وقد صرّح بالطّيّب أنه يخطّط لإدماج أعماله التجارية الجديدة في السوق
الموريتانية أو المالطية، مستشهداً بالخوف من التدخل غير مرغوب فيه. وقد
لاحظ الكثير من الاقتصاديّين ورجال الأعمال بأن الاستثمار المتزايد في
العقارات والأراضي يعكس عدم الثقة في الاقتصاد ومحاولة للإحتفاظ بأموالهم
في مكان آمن(مرجع C.).
13- وحتّى الآن، وطبقاً لمصادر من رجال الأعمال التونسيّين، فإن
المستثمرين الخارجين الذين تم ردعهم، لم يتأثروا إلى حد كبير. إن الإستشمار
الخارجي يواصل التدفق بمعدل صحي، حتّى فيما عدا الخصخصة ومشاريع الخليج
الضخمة التي لم تبدأ بعد. ومن النادر أن يتحدّث المستثمرون الأجانب عن
عمليّات ابتزاز على غرار تلك التي يتعرّض لها نظراءهم التونسيّون، وهو ما
يعكس ربّما لجوءهم إلى سفاراتهم وحكوماتهم.
وقد أكّد ممثلوا بريتش جاز للسّفير أنهم لم يتعرّضوا لأيّ ممارسة غير
قانونيّة. ومن جهته، أكّد ××××× أن بلحسن الطرابلسي حاول قبل عدة سنوات لي
ذراع [ابتزاز] شركة إنتاج ألمانيّة في القطاع البحري، إلا أنه بعد تدخّل
السفارة الألمانية، تم تحذير الطرابلسي بشكل واضح لتفادي الشركات غير
المقيمة.
وعلى الرغم من التصريحات حول تنامي الاستثمار المحلّي، إلا أن الحكومة
التونسيّة تركيز بشدة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى
البلاد، لاسيما في القطاع البحري. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه ما يزال هناك
العديد من الأمثلة تؤكّد أن شركات أجنبية أو مستثمرين يتعرضون لضغوطات من
أجل ضم الشريك "المناسب".
ويبقى المثال الأبرز على دخول ماكدونالد الفاشل إلى تونس. فعندما قررت
ماكدونالد تحديد تونس لمنح الامتياز لصاحب وكالة، ليس من اختيار الحكومة
التونيسية، ألغيت الصفقة بكاملها بسبب رفض الحكومة التونسية منحها التراخيص
اللازمة وعدم رغبة ماكدونالدز في لعب اللعبة بمنح الامتياز إلى متنفّذين
في العائلة.
• تعليق: 14- على الرغم من أن الفساد البسيط يبقي ضغائن في القلب، إلا أن تجاوزات
عائلة الرئيس بن علي تثير النقمة أكثر بين التونسيّين. ومع ما يواجهه
التونسيين من ارتفاع التضخم، وارتفاع نسبة البطالة، فإن التباه المبتذل
والصارخ للثروة، يعمل، إلى جانب الإشاعات المنتشرة، على صب الزيت على
النّار. وإن الاحتجاجات الأخيرة في المنطقة المنجميّة بقفصة، تقدم رسالة
تذكير فعالة على حالة السخط الشعبي الذي مازال يتفاعل بشكل كبير تحت السطح.
وفي الوقت الذي أسّست فيه هذه الحكومة شرعيّتها على قدرتها في تحرير النمو
الاقتصادي، إلا أن الكثير من التونسيّين يؤمنون بأن من يقبعون في القمّة
يحتكرون الفوائد لأنفسهم.
15- إن الفساد هو مشكلة مشتركة بين ما هو سياسيّ وما هو اقتصاديّ. وغياب
الشفافية والمحاسبة الذي يميّز سياسة النظام التونسي، يدمّر مناخ الاستثمار
ويشجّع ثقافة الفساد. ورغم كلّ الخطب عن المعجزة الاقتصادية التونسية ورغم
الأرقام الإحصائية الإيجابيّة، فإنّ حقيقة إدبار المستثمرين التونسيّين
تقول الكثير عن الوضع. إن الفساد هو "الفيل الموجود في الغرفة"، إنه
المشكلة التي يعرفها الجميع، لكن لا أحد يصرّح بما يعرفه. نهاية التعليق
- غوديك ترجمة خاصة بالمصدر أونلاين