حين نطّلع على وثائق موقع (ويكيليكس) الشهير، ينتابنا إحساس يدقّ قلوبنا، بأنّ كل الذي نُشِر لم يخرج عن دائرة الفضائح الصغيرة، التي يعرفها كل العراقيين والمتابعين للشأن العراقيّ، وذلك منذ (تحرير) العراق على الطريقة الفارسية– الصهيونية- الأميركية.. حتى اليوم!.. فنتساءل: أين الفضائح المزلزلة الكبيرة، التي تكشف بقوةٍ -بالأدلّة القاطعة- الدوافع والنتائج لاحتلال العراق، وتكشف اللاعبين الحقيقيّين والمتواطئين والمتورِّطين والمتآمرين والخونة والمجرمين والمنافقين والمتستِّرين بالإسلام وأدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وغيرهم، وغيرهم.. من الذئاب والوحوش البشرية واللصوص وأصحاب الأمراض النفسية المستعصية المزمنة؟!..
عندما تُلقي نظرةً خاطفةً على الساحة العراقية اليوم، بعد سبع سنواتٍ من حَمْلة (حرّية العراق)، يصيبكَ الذهول، كيف ينحصر خيار الحكم –حسب ويكيليكس- في العراق العظيم، بين سفّاحٍ طائفيٍّ لصٍّ محترِفٍ مجرمٍ يرأس فرقاً خاصةً للموت والتعذيب والتصفية الطائفية الحاقدة.. اسمه: نوري المالكي.. وتافهٍ عميلٍ خائنٍ كان يختال فخراً في أروقة الاستخبارات البريطانية والأميركية والغربية، وهو المسؤول الأول عن جرائم (الفلوجة) الفظيعة ومجازرها حين كان يرأس وزارة الاحتلال في عام 2004م.. اسمه: (إياد علاّوي)!..
* * *
لعلّكَ تندهش حين ترمق (أحمدي نجّاد) وهو يشتم (الشيطان الأكبر) في الليل، ويُستَقبَل معزّزاً مكرَّماً في ما يُسمى بالمنطقة الخضراء داخل بغداد المحتَلَّة.. في النهار!.. تحميه الكتائب العسكرية الأميركية حتى يعودَ إلى طهران.. ليسبّ أميركة ثانيةً، قبل أن تستقبلَه القوّات الأميركية المحتلّة في قلب (كابول) الأفغانية!.. ثم تراه –بقدرة قادرٍ- عند حدود فلسطين المحتلّة، بعد تهديداته المتكرِّرة بإزالة (إسرائيل) من الخريطة.. تراه بين عبيده وحواشيه وزبانيته وعملائه، من كوادر حزب خامنئي اللبنانيّ الوالغ في الطائفية.. يبشّرهم بتحرير فلسطين على يدي المهديّ الشيعيّ المنتَظَر، وصاحب الزمان القابع في سرداب سامرّاء منذ أكثر من ألف سنة، الذي سيحرِّر المسجد الأقصى في السماء الرابعة، ويقتل العرب، ويُقيم الحدّ على السيدة عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها)، ويُحيي الخليفتَيْن الراشدَيْن أبا بكرٍ الصدّيق وعمر بن الخطاب -رضوان الله عليهما- للاقتصاص منهما، و.. وغير ذلك من خرافات مشعوذي المشروع الصفويّ الفارسيّ وكَهَنَة الحوزات في قمّ والنجف!..
ولعلّك تندهش أكثر، حين تكتشف يدي بشار أسد وزبانيته، وهما مغروزتان في قلب العراق الجديد، بين قواعد (الإمبريالية) الأميركية.. يتحالف مع كل القوى والأحزاب والميليشيات والعصابات والجماعات، ويحاربها كلها في الوقت نفسه!.. وحين تكتشف الفارسيّ علي السيستاني، وهو يقذف الأميركي (بريمر) بمناسبة يوم عاشوراء.. ويستقبله –خفيةً- في أحد سراديبه بالنجف، بمناسبة ذكرى (تحرير العراق)!..
حينئذٍ يطالعكَ إحساس يختلف عن إحساس صاحب موقع (ويكيليكس)، الذي لم يهتمّ سوى بالصغائر وسفاسف أمور العراق، فتكتشف أنّ كبرى الفضائح، لم يتعرّض لها (جوليان أسانغ) صاحب الفضائح الصغيرة، لأسبابٍ مجهولةٍ لا نعرفها.. مع أنها أمّ الفضائح في هذا العصر، فأميركة والكيان الصهيونيّ والغرب الاستعماريّ وجدوا ضالّتهم لتفتيت العالَم العربيّ والإسلاميّ، بطائفية الطائفيّين وتحالفهم، تحت شعاراتٍ مزيَّفةٍ صُنِّعَت خصّيصاً لمثل هذا الهدف، أولها: نصرة آل البيت، وآخرها: تنفيذ أوامر صاحب الزمان!.. فالوطن الذي لن يتمكّن الصهاينة والأميركيون من تدميره وتفتيته ومُصادرة حاضره ومستقبله.. سيتكفّل به الأنصار المزعومون لآل البيت، وأبطال الممانعة الحديثة!..
* * *
حين تصل إلى اقتناعٍ تامٍ بخطورة المصيبة العظمى المحدقة بهذه الأمة، وإحساسٍ داخليٍّ –لوهلةٍ- بالهزيمة، ستكتشف أنّ نخيل العراق بقي منتصباً باسقاً شامخاً، على الرغم من كلّ ما حوله من الخراب والدمار والانكسار.. وأنّ صدى صوت أبي جعفر المنصور ما يزال يرتدّ إلى آذان الراغبين بسماعه.. وأنّ رُوحَ صلاح الدين الأيوبيّ عادت ترفرف ما بين نينوى والقدس.. وأنّ مشاعل النور التي حملها سعد بن أبي وقّاصٍ في القادسية، بدأت تُنير الظلام من (سلمان باك) إلى قُمّ وطهران.. وأنّ سيف الله المسلول خالد بن الوليد بدأ ينسلّ من غمد هذه الأمة، المتعَبَة بالأعداء والخونة والعملاء، والمتخَمَة بالشعارات الجوفاء والمزاعم الخادعة وأكاذيب أبي لؤلؤة وتَقِيَّة الحشاشين ومَن على خطاهم وشاكلتهم!..
حينذاكَ فحسب، سيُشرِقُ ذهنُكَ بمعنى قول العزيز الحكيم: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (النور:57).