إتمام الحج والعمرة
قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) في هذه الجملة من مطلع الآية الكريمة أمران عظيمان: الأمر الأول: الأمر بإتمام الحج والعمرة وذلك بأداء مناسكهما كما أمر الله ورسوله لا كما قال فلان وأفتى فلان فإن بعض من يتسمون بالعلم اليوم يوجهون الناس إلى العمل بالرخص التي رخص بها بعض العلماء عن اجتهاد منهم لا العمل بالرخص الشرعية التي رخص الله بها لعباده وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"، فهؤلاء يريدون أن يضيفوا رخصا لم يرخص الله بها ولا رسوله إلا أن فلانا قال كذا وفلانا أفتى بكذا وإنما هلك بنوا إسرائيل بمثل هذا لما اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله فأحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه فالواجب على الحاج أن يحذر من ذلك وأن يؤدي حجه على وفق ما شرعه الله ورسوله فقد حج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وقال: "خذوا عني مناسككم"، فالواجب أن نأخذ مناسكنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال سنته الشريفة وليكن هذا بالرفق والتحين الفرص المناسبة لأداء المناسك وعدم العجلة والمغامرة وقد وسع الله سبحانه وقت أداء المناسك بحيث يتمكن المسلم من أداء كل نسك في وقته في أوله أو وسطه أو آخره ولكن تصرفات الناس هي التي تضيق أوقات أداء المناسك أو تضيق أماكنها وليكن هم المسلم أداء النسك على الوجه الصحيح حسب الاستطاعة ولو تأخر ما لم يخرج عن وقته ولكن بعض الناس أو كثيراً منهم يريد أن يرجع إلى بلده مع أول الناس ولو كان ذلك على حساب مناسك حجه بل إن بعضهم يوكل على بقية المناسك ويسافر فلا يتم الحج كما أمر الله وهو قد تكلف السفر والنفقة والتعب وهذا من تلاعب الشيطان والنفس الأمارة بالسوء – كما أن بعض الناس يدخل في المناسك ما ليس منها من البدع والمحدثات كالذهاب إلى المزارات المزعومة فيضيع وقته وماله وجهده ويخل بمناسكه تمشياً مع العادات والتقاليد أو استجابة لدعاة البدعة والضلال ولا يتعلم فقه الحج فيؤديه على ما أمر الله به بقوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ) فهذا قد نقص الحج بما أدخل عليه من البدع والخرافات التي تنقصه أو تبطله نتيجة للتقليد الأعمى وإعراضا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"،والأمر الثاني قوله تعالى في الآية الكريمة (لِلَّه)، وهذا يعني الإخلاص في الحج بأن يكون خالصا لله لا رياء فيه ولا سمعة ولا يقصد به طمعاً من مطامع الدنيا فإن الحج وسائر الأعمال إذا لم تكن خالصة لله لم تقبل قال تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) وأعمال الحج وأقواله كلها تتجه إلى الله ففي التلبية : (لبيك لا شريك لك) وفي دعاء عرفة خير ما قاله النبي والنبيون من قبله عليهم الصلاة والسلام: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) وعند استلام الحجر أو الإشارة إليه في بداية الطواف: (الله أكبر) وفوق الصفا والمروة في السعي يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) وعند رمي كل حصاة من حصى الجمار يقول: (الله أكبر) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الحجار لذكر الله عز وجل) فالحج مبني على التوحيد والإخلاص لله عز وجل فلا يستغيث الحاج بنبي ولا بولي ولا بأي مخلوق ولا يتبرك بشجر ولا بحجر ولا بجبل ولا ببيت مولد ولا بأثر من آثار الصالحين المزعومة ولا يطاف ببنية ولا بقبر ولا بمقام غير الكعبة المشرفة التي قال الله تعالى فيها: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ومن أتمام الحج والعمرة تجنب الرفث والجدل والفسوق والعصيان قال تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وقال عليه الصلاة والسلام: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، فلنستشعر عظمة الحج ولنؤديه كما شرع الله وكما أداه رسوله غير ملتفتين إلى قول فلان وعلان مما يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
كتبه: صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء