المصدر أونلاين - إسلام أونلاين
عائشة بن محمود اعتمدت دراسة حديثة أنجزها مركز أبحاث أميركي سيناريوهين حول احتمال وقوع
التغيير في اليمن التي تعيش اضطرابات سياسية منذ سنوات، ولكن زادت حدتها
بعد اندلاع الثورات الشعبية في المنطقة العربية انطلاقا من تونس ومنذ نهاية
العام الماضي.
ويرجح السيناريو الأول احتمال حدوث تغيير سياسي سلمي يتم خلاله تسليم
الرئيس الحالي علي عبد الله صالح مقاليد الحكم إلى من سيخلفه في الحكم،
تنفيذا لمطلب شعبي يضغط عليه منذ أشهر، في حين يتوقع السيناريو الثاني وقوع
انقلاب دموي يقوده فريق من المؤسسة العسكرية اليمنية، وهو ما قد يؤدي إلى
وقوع حرب أهلية، حسب دراسة أنجزها معهد المؤسسة الأميركي مؤخرا.
وقد تصاعدت موجة الاحتجاجات في اليمن خصوصاً بعد مقتل أكثر من 50 متظاهرا
يوم 18 مارس الماضي على يد قوات الأمن و"قناصة" بلباس مدني، وهو ما أدى إلى
حدوث انشقاق بين أجهزة النظام ذاته بما فيها المؤسسة العسكرية والقبائل.
وفي محاولة يائسة منه، أعلن الرئيس اليمني مجموعة من الإجراءات الإصلاحية،
من ضمنها عدوله عن الترشح لانتخابات 2013، إلا أن هذه التنازلات لم تنجح
في إطفاء فتيل الاحتجاجات في مدن عديدة من اليمن التي تنبئ لأن تكون عارمة،
تضامنا مع باقي المدن التي تعرضت إلى قمع دموي من الأجهزة الأمنية خاصة
بعد أن فقد النظام السيطرة على نحو 6 مقاطعات.
سيناريو: تحول سلمي للسلطة تقوم الفرضيات الأساسية حول احتمال حدوث تغيير للسلطة سلميا في اليمن، على
خلفية بقاء الوضع الراهن على حاله من دون تصعيد وعلى عدم معرفة الطرف
الأساسي الذي سيمسك بالحكم لاحقا.
في هذا السياق، تتوقع الدراسة أن الأطراف المفاوضة التي تحث على التغيير
ستكون حكومة انتقالية مؤقتة تعنى بالإصلاحات السياسية في اليمن.
وقد ذكرت الدراسة أسماء أساسية ستلعب دورا في العملية الانتقالية للبلاد
منها الجنرال علي محسن الأحمر وأيضا شيوخ قبائل محورية وممثلين عن أحزاب
معارضة متحالفة، هذا بالإضافة إلى أطراف أجنبية وعلى رأسها الولايات
المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي ومن أبرزها المملكة
العربية السعودية.
وتتوقع الدراسة ذاتها بخصوص سيناريو التغيير السلمي أن يتولى نائب الرئيس
الحالي عبدربه منصور هادي تسيير الحكومة الانتقالية بالتعاون مع مجلس
مستشارين يتكون من أسماء معارضة بارزة ومع شيوخ قبائل أساسية من شمال اليمن
خاصة. كما سيفرض المنشقون عن النظام الحالي وجودهم في هذه الحكومة مع
احتمال وجود المعارضة المعترف بها حاليا في اليمن.
وتتوقع الدراسة الأميركية أن تقوم الحكومة الانتقالية على علاقات مؤسساتية راسخة للنظام الحالي وأساسا القبائل والمؤسسة العسكرية.
هذا السيناريو لا يستبعد استمرار الضغوطات الشعبية، فيما ستتركز أولويات
جهود الحكومة الانتقالية على توفير المؤونة الأساسية والمرافق الخدمية
للشعب. وترجح الدراسة أن يتم تغيير الحكومة في وقت قصير، ولكن تغيير الشكل
النهائي للحكومة سيأخذ وقتا أطول.
على مستوى الحراك الداخلي يتوقع محررو الدراسة أن تقبل حركة "الحوثيين"
المتمردة الحكومة الجديدة بشرط القيام بإصلاحات سياسية وتثبيت الأمن في
مناطق الحوثيين.
وفي المقابل، يستبعد الأميركيون أن يتم التحكم في مناطق تحت سيطرة
الحوثيين في وقت قصير، كما يتوقع تدخلا للجيش في هذه المناطق لاستتباب
الأمن، وهو ما قد يؤدي إلى قرار إلغاء حالة الطوارئ في هذه المناطق التي قد
تبقى تحت ضغط مشاحنات قبلية بين الحوثيين وبين القبائل الموالية للحكومة.
فيما يتعلق بالحراك الجنوبي في اليمن، فإن استقالة علي عبد الله صالح قد
تدفع بالطلب إلى توحيد مختلف أطراف هذه الحركة، كما أن انقساما بين مختلف
فصائل هذا الحراك الجنوبي، لا يستبعد في الوقت ذاته.
على المستوى الأمني فإن الدراسة تستبعد انقساما في المؤسسة العسكرية التي
قد تساهم بشكل جذري في استتباب الأمن في البلاد وتهدئة المحتجين.
ويبقى تنظيم القاعدة حجر العثرة الأساسي الذي قد يحد من نجاح التغيير في
اليمن حيث أن هذا التنظيم ينتهز فرصة سقوط الأنظمة للقيام بعمليات تعبئة
لإنشاء إمارة إسلامية، حسب تقدير هذه الدراسة التي أشارت أن مثل هذه الخطوة
قد تحدث أيضا في دول عربية أخرى تشهد انهيارا لأنظمة سابقة على غرار ليبيا
وتونس ومصر.
على مستوى العلاقات الخارجية، فقد حصرتها الدراسة في أدوار قد تلعبها كل
من الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها حيث ستساعد على إنشاء حكومة متينة
قادرة على مواجهة خطر القاعدة رغم استمرار المشاعر الشعبية السلبية ضد
الوجود الأميركي في اليمن.
خليجيا، فإن دول الخليج وعلى رأسها السعودية ستعمل على حدوث استقرار في
اليمن، خاصة على مستوى الجنوب لتأمين استقرارها الداخلي، وقد يكون تدخل دول
الخليج على مستوى هذه المرحلة اقتصاديا بالتوازي مع جهود مجابهة خطر
القاعدة.
بدوره سيسعى النظام الإيراني لتدعيم علاقته مع الحكومة الانتقالية في
اليمن كما قد يتدخل لمناصرة المتمردين الحوثيين مع الدفع لقيام نظام
إسلامي.
وبصفة عامة، تتوقع الدراسة أن المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية ستكون
مضطربة في ظل استمرار الحكومة المؤقتة في مواجهة مطالب الشارع.
كما أن الوضع الانتقالي قد يؤدي إلى بروز معارضة جديدة تقودها رموز الثورة
الشعبية من الشباب ومن الشارع اليمني. كما قد يتم تكوين جبهة معارضة من
رموز النظام الحالي التي لم تنشق عن علي عبد الله صالح.
سيناريو: حرب أهلية تعتمد فرضيات هذا السيناريو على احتمال أن التغيير سيكون على خلفية انقلاب
عسكري وعلى فرضية إطاحة ناجحة بالرئيس اليمني الحالي. ولا تستبعد الدراسة
الأميركية لجوء المنقلبين العسكريين إلى عنف دموي للإطاحة بالرئيس اليمني
علي عبد الله صالح.
وسيتزامن اللجوء إلى هذه الطريقة في الإطاحة بالرئيس الحالي مع عامل
استمرار احتجاجات الشارع التي ستتفاقم في حال خالف الشق العسكري الموالي
للرئيس اليمني مسار الشارع وعمل على إسكات هذه الاحتجاجات بالقوة. أيضا
يفترض قيام هذا السيناريو في حال فشل المفاوضات الحالية الدائرة لإرغام
صالح على الخروج من الحكم ولدى حدوث تدخل عسكري في هذه الحالة فإن استمرار
المفاوضات يعد صعبا.
وقد يأخذ شكل الإطاحة بالرئيس اليمني منحى دمويا والذي بدوره سيفرز حربا
أهلية بسبب الطبيعة القبلية للمجتمع اليمني. ويتوقع الباحثون في هذه
الدراسة أن تكون عملية خلع الرئيس اليمني في شكل اختطاف صالح أو إرغامه على
الخروج من البلاد ونفيه أو اغتياله أو فوز الفريق العسكري المنشق على
نظيره الموالي للرئيس اليمني.
وتتوقع الدراسة أن يكون الجنرال علي محسن الأحمر هو من سيبادر بعملية
الانقلاب بعد انشقاقه عن النظام ومواصلة قيادته للمنطقة الشمالية الغربية
في الجيش اليمن. كما أن هذا القائد العسكري هو من سيحدد شكل الإطاحة
بالرئيس اليمني. وفي حال نجاح عملية الانقلاب، فإن هذا الجنرال سيرغم
الموالين لعلي عبد الله صالح على الرضوخ للحكومة الانتقالية أو مواصلة
القتال لصالح النظام السابق وهو ما سيدخل البلاد في صراعات مسلحة خطيرة.
وتكمن قوة الجنرال المنشق في سيطرته على الكتيبة الأكثر تسلحا بالإضافة إلى تموقع جهازه العسكري المهم في صنعاء
في المقابل فإن الرئيس اليمني يتمتع بتواجد كبير لعائلته في قوات الحرس
كما يقود ابنه العميد أحمد علي عبد الله صالح الذي كان مرشحا لخلافته الحرس
الجمهوري والقوات الخاصة. ويقدر عدد الفرق التي تنضوي تحت لواء الحرس
الجمهوري بنحو 6 آلاف فرقة.
ويقدر العدد الإجمالي للجيش في اليمن بنحو 60 ألف جندي موزعين في ثلاث
مقاطعات رئيسية في حين يقدر عدد القوات الأمنية المركزية بنحو 50 رجل أمن.
وهي كلها فرق مازالت موالية للرئيس اليمني الحالي باستثناء الوحدة العسكرية
التي يشرف عليها الجنرال الأحمر المنشق.
وتتوقع الدراسة أن تلعب القبائل دورا بارزا في التدخل العسكري للإطاحة
بالرئيس اليمني، خاصة وأنها تسيطر على أقاليم مهمة حول صنعاء. كما لا
يستبعد أن تتولى القبائل إرسال ميليشيات لمساعدة أي طرف تسانده في الصراع
العسكري.
من جهتها ستعمل الأطراف الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية
على المطالبة بإنهاء الصراع المسلح الذي سيقود إلى تشكيل أرضية خصبة
للقاعدة والحركات الإرهابية. كما يتم التسريع في وتيرة تدخل المنظمات
الإنسانية.
كما ستعمل دول الخليج وخاصة السعودية على نشر قوات عسكرية على حدودها
الجنوبية مع اليمن للحد من تسريب قوات القاعدة إلى أراضيها. ويستبعد أن
تدخل باقي دول الخليج عسكريا وسيقتصر تدخلها على مساعدات إنسانية. بدورها
ستعمل إيران على كسب أرضية متقدمة في اليمن في خضم هذه الأحداث من خلال دعم
الحوثيين، خاصة وأنها عملت على مساندتهم في السابق.
وفي محصلة هذا السيناريو، يمكن القول إن الجنرال الأحمر سيلعب دورا بارزا
في عملية الانقلاب الدموي كما أنه سيعمل في المقابل على إقامة حكومة مدنية
مؤقتة، لكنه سيكون هو من سيمسك بالسلطة فعليا وخلف الكواليس. كما أن الصراع
الدموي قد يؤدي إلى نمو منظومة التسيير المحلي للولايات في اليمن.