المصدر أونلاين - العربية نت
يُعرف اليمنيون بشكل خاص بين شعوب الجزيرة العربية على أنهم الشعب الذي لا
تفارقه الترانيم ولا الجُمل اللحنيّة, يحفظ أكثرهم الأغاني التي تمجد
الوطن عن ظهر قلب.
لكن أغنية واحدة تظهر معبرة عن حال اليمنيين في الخارج، والذين يشكل جزء
منهم أكبر جالية مغتربة في السعودية, تخاطب الأغنية انتصارات سابقة لأهالي
اليمن وتردد بين مقاطعها "ياجماهير سبتمبر وأكتوبر يا حماة الديار في الريف
والبندر"، لكن جماهير الغربة هي إضافة أخرى للمجتمع اليمني في الريف
والبندر، وهي الوحيدة التي لا تحمل سلاحاً ولا تلوح بمطالب, تمسك بالريموت
فقط وعينها على أخبار اليمن.
في جدة التي تحتضن أعداداً كبيرة من الجالية اليمينة، بعض هؤلاء ممن سكنوا
المدينة ولم يذهبوا إلى اليمن منذ فترة طويلة, يعملون في مهنٍ مختلفة،
يعرفون أدق تفاصيل المدينة الساحلية مثلما يعرّفون آرائهم حول أحداث اليمن
الحالية، وكأنها مجرد "آه" تحكي تنهيدة وطن بات خبراً تتناقله وكالات
الأنباء ويتسمرون من أجله على الشاشة لمتابعة تطوراته.
عادل الحريري، يمني في الأربعينات من عمره، يجلس خلف جهاز كاشير في أحد
مطاعم جدة مبتسماً و يردد بصوت منخفض "الله كريم". يبدأ عادل في الإجابة عن
سؤال "العربية.نت" حول ما يجري في اليمن بصمتٍ قليل ثم يقول "نريد
الاستقرار, أنا لا أريد لوطني سوى أن يكون مستقراً".
ويكمل "أشعر بالقلق من تصاعد الأحداث إلى حد حربٍ أهلية, أنا مع كل المطالب الشعبية، لكن ليس بهذه الصورة".
عادل الذي يعمل بصحبة خمسة يمنيين آخرين في مطعمٍ للأكلات الشعبية في جدة
يعتقد أن الحل يكمن في الحوار بين السلطة والمعارضين, ويضيف "لا يمكننا
الاستمرار في إدارة المطعم لو حدث خلاف بيننا, مجرد خروج عامل من هذا
المطعم يعني أن خللاً ما سيصيب مكتسابتنا, أنا أتخيل الأمر بهذه الصورة
الضيقة يجب أن يكون هنالك حوار حتى لا يخسر الوطن مكتسباته".
بين العمل والشاشة ويقضي كثير من اليمنيين المقيمين في السعودية ساعاتهم في العمل الذي يهتم
بتقديم خدمة مباشرة للناس، مثل المطاعم والمغاسل ودكاكين الخياطة، عدا عن
أعمال صيانة السيارات, لكنهم مؤخراً باتوا يستغلون أوقات الفراغ عوضاً عن
الراحة في مشاهدة التلفاز ومتابعة تطورات الأوضاع في اليمن.
أحمد الصنعاني واحدٌ من هؤلاء يشاهد نشرة الرابعة في قناة "العربية"، وهو
يقف أمام أكوام من الملابس في مغسلةٍ وسط جدة، ويقول أحمد لـ"العربية.نت"
في هذا الوقت لا يوجد زبائن, أنا أتابع الأحداث في اليمن تقريباً كلما سنحت
لي الفرصة.
ويكمل "أصبح الحصول على معلومة صحيحة أمراً صعباً, الكل ينقل لك اخباراً
متضاربة. ويضيف الصنعاني بابتسامة "عائلتي في صنعاء يقولون بأن الوضع
مطمئن, وأن الاشتباكات والمظاهرات تتم في منطقة أخرى ومعزولة".
ولا يخفي أحمد ولاءه للرئيس علي عبدالله صالح، ويرى أنه الأنسب دائماً
لقيادة اليمن. ويعبر الصنعاني عن ذلك بوضوح "نعم إنه الرجل المناسب, لن
يأتي آخر أفضل منه, كل من سيأتي بعده لن يجعل اليمن مثل الآن، وعلى الأقل
لن يحافظ على الوحدة".
ويداوم اليمنيون على قوتهم مثلما يداومون على متابعة أخبار بلادهم. عادل
نفسه الذي يخشى نشوب حربٍ أهلية يقول "بالطبع لن يتأثر عملي, أنا أعمل هنا
من أجل أن أقبض أجري". ويضيف "كل شيء سينتهي بأي كيفية لا أدري, لكن اليمن
لن يموت وهذا ما يجعلني أحافظ على عملي وأسعى أن لا يتأثر بقلقي على
اليمن".
الأمر معقد في مكانٍ آخر ومع ارتفاع صوت أذن المغرب يتأهب عدد من اليمنيين لإغلاق
محلهم الخاص بصيانة السيارات, يبدأون في الحديث مع بعضهم في شكلٍ يأخذ طابع
النقاش, نقترب منهم ونسأل أحدهم "هل تتحدثون عن اليمن؟"، يجيب الرجل الذي
عرف نفسه لـ"العربية.نت" بأنه من الجنوب اليمني واسمه ساري اليافعي بالقول
"أنا من الجنوب, والحل هو امتثال السلطة لمطالب الشعب". نسأل ساري عن هذه
المطالب فيجيب مرة أخرى "مطالب الشعب".
يسير ساري قليلاً بإتجاه مسجدٍ قريب من المحل الذي يعمل فيه, ينظر إلى
زواية في اليمين ويقول "أنا أحمل شهادة متقدمة"، ويشير بيده بإتجاه عاملٍ
آخر "هذا يحمل البكالوريوس، لكنه يعمل هنا في محل صيانة سيارات, أعرف آخرين
يحملون شهادات عليا ويعملون في مهنٍ بسيطة, وهذا سبب يجعلني مؤمن بأحقية
ما يطالب به الشارع اليمني.
يكمل ساري حديثه حول متابعته للأحداث "اشاهد التلفاز في اليوم عدة مرات,
وأشعر بأن الأمر تأخر وأصبح معقداً. ويكمل "يوجد لدينا تلفزيون صغير في هذا
المحل, بالكاد نعرف الخبر ويبقى التحليل هو مسألة من يقومون بالعمل في هذا
المكان، يقولها ضاحكاً.
ويكمل ساري مع رفاقه خطواتهم إلى المسجد, فيما تكمل الأحداث في اليمن
خطواتها باتجاه تأزم الأمور مع انتهاء الشهر الأول لبدء التظاهرات المطالبة
بالاستقالة الفورية للرئيس اليمني علي عبدالله صالح, وسط مبادرات من
السلطة ورفض من المعارضة كان آخرها اقتراح الرئيس اليمني إجراء انتخابات
رئاسية مبكرة بنهاية 2011 وهو ما قوبل بالرفض ايضاً.