المصدر أونلاين - خاص
بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على نصب أول خيمة في ساحة التغيير أمام
جامعة صنعاء وأكثر من شهر على تدفق شباب الثورة إلى ساحة الحرية في تعز لا
يزال المشهد ينمو كل يوم، وتبدو الحشود أكبر كل يوم كما أن الخيام لم تتوقف
عن التمدد يوما واحداً.
في البداية راهن النظام على الملل كعامل يمكنه القضاء على هذا المشهد وعلى
القلق الذي يرى البعض أنه جزء رئيس من مكون الشخصية اليمنية، لكن الأمر
بدا مختلفا هذه المرة حيث يزداد الشباب المعتصمون إصرارا على مواصلة
المسيرة التي بدؤوها.
الجمعة الماضية حددها شباب الثورة كيوم غضب وموعداً لتشييع جنازة الشهيد
عبدالله حميد الجايفي الذي سقط برصاصات جنود الأمن في هجمتهم على المعتصمين
مساء الثلاثاء الماضي، وكان الحشد فعلاً بحجم المناسبة حيث ازدحمت ساحة
التغيير بما يربو على المليون من الجماهير الذين خرجوا من منازلهم في أمانة
العاصمة وآخرين قدموا من المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء، ولم يكن
القادمون مجرد حاضري فعالية أو مشاركين في تشييع فحسب لكنهم كانوا معتصمين
جدد نصبوا خيامهم حيث أدوا الصلاة مما جعل ساحة التغيير تلتهم شوارع جديدة
ضاعفت بها مساحتها.
قبائل همدان دخلت صنعاء هذه المرة، شيعت ابنها الشهيد لكنها لم تدخل
كقبيلة باحثة عن الثأر ممن أطلق النار على أحد أفرادها وإنما دخلت لتعلن
انضمامها إلى الملحمة الوطنية الكبرى التي أطلقها شباب لا يفكرون بذواتهم
بقدر ما يفكرون في وطن تقتله الفوضى كل يوم، واستجابت لهم كل القوى الوطنية
على الساحة.
وقبل أن تستقبل ساحة التغيير قبائل همدان كانت قد استقبلت في اليوم الفائت
ما يقرب من خمسة آلاف من العاملين في المهن الطبية، وحوالي ألفاً من
الفنانين والإعلاميين الذين توافدوا على الساحة بشكل جماعي معلنين أنهم جزء
من ثورة الشباب.
وكل يوم تقريبا يخسر الرئيس صالح وحزبه كوادر قيادية من برلمانيين
ومسؤولين حكوميين وأكاديميين وقضاة وقادة عسكريين حيث وصل عدد النواب
المستقيلين من المؤتمر الشعبي والمنضمين للثورة 18 نائباً والقائمة لا تزال
مفتوحة.
كما شهدت منصة ساحة التغيير توافد ما يزيد على 10 من القضاة الذين أعلنوا
وبكل شجاعة انضمامهم للثورة وكان أبرزهم عضو المحكمة العليا القاضي
عبدالملك المروني الذي لم يكتف بالانضمام فحسب وإنما استقال من عمله في
القضاء.
وبالإضافة إلى 5 محافظين تم إقالتهم من مناصبهم بسبب عدم تنفيذهم بشكل
حرفي لتوجيهات الرئيس بقمع المحتجين فإن مصادر مقربة من القاضي الهتار وزير
الأوقاف أكدت أنه استقال احتجاجا على قمع المحتجين وعدم استجابة الرئيس
لمطالب الشعب ولم تتم إقالته كما ذكرت الأنباء الرسمية.
وسواء استقال أم أقيل فإن أصداء صرخات الشباب في الجامعة "الشعب يريد
إسقاط النظام" لم تذهب مع الريح وإنما تساقط النظام جزئيا كل يوم، وتخلخل
المنظومة الحاكمة ويدعمها في ذلك الهجمات العدوانية لقوات الأمن ومجاميع
البلطجية المستأجرين على المعتصمين.
صبيحة السبت الماضي شهدت ساحة التغيير بصنعاء ساعات امتزجت فيها الغازات
السامة بدماء الشباب بأصوات الطلقات النارية فرسمت كلها ثورة لم تدع مجالاً
لأحد أن يتشكك فيها وزاد من يقينهم سقوط شهيد ومئات المصابين سواء بالغاز
السام أو بطلقات النار الحي.
لا يكاد المرء يصدق كيف يتعامل الشباب وخصوصا منهم طاقم اللجان الأمنية
ولجان النظام كيف يواجهون النار المنبعث من فوهات بنادق الأمن ورشاشاتهم،
يهرعون نحوها كفراشات تتسابق نحو مصدر الضوء، لا يأبهون بالموت لكن قنابل
الغاز السام التي كانت تسقط عليهم أحالتهم إلى أشباح ترتعش في أرض المعركة
التي تفنن في صناعتها رتل من قوات الأمن مسنود بمجاميع من القوات الخاصة
تناقلت مصادر إعلامية أنه كان يقود تلك الغزوة ابن أخت الرئيس ويدعى محمد
الشحطري.
لكن قوات الأمن لم تتمكن من قتل الثورة كما كانت تخطط لكنها أشعلت جذوة
جديدة في نفوس الشباب وفتحت لهم الباب لمنضمين جدد، وانصرفت حشود القوات
بينما تدفقت حشود جديدة إلى الساحة ونصبت خيام جديدة.
شباب الثورة دأبوا على ممارسة طقوس يومية ربما تكون هي السبب وراء استمرار
جذوة الثورة واتساعها فمئات الآلاف من الشباب المعتصمين في ساحة التغيير
يرددون قسما يوميا أن يظلوا صامدين مرابطين حتى تنجح ثورتهم وأن لا ينصرفوا
من الساحة حتى يرحل النظام.
هجوم الأحد الماضي الذي جاء بعد أقل من 24 ساعة من إعلان الرئيس تشكيل
لجنة للتحقيق في هجوم السبت باغت الشباب وهم يؤدون صلاة الظهر أكسبهم جرعة
صلابة إضافية فحين بدأت عناصر من فتوات الحارة في بداية شارع الزراعة
بمهاجمة المعتصمين ورشقهم بالحجارة كان أفراد الأمن يقفون متفرجين مما دفع
المعتصمين للرد عليهم، حينها تحرك أفراد الأمن لرش المعتصمين بخراطيم
المياه وإطلاق قنابل الغاز السام والرصاص الحي الذي شارك في إطلاقه بلطجية
كانوا يعتلون أسطح المنازل المجاورة، وسقط في هذه الهجمة تسعون شابا
مختنقين بالغاز السام وعشرة آخرون أصيبوا بأعيرة نارية وبالحجارة وبطعنات
بالسلاح الأبيض.
مشاهد النضج التي تطمئن المتابع أن الثورة تتقدم، يمكنك أن تلمسها في مشهد
الفتيات الأنيقات اللاتي يستمتعن بتنظيف الشارع دون أن ينتظرن شكرا من أحد
وفي تفاني الأطباء والممرضات المتطوعين وهم يستقبلون المصابين في المستشفى
الميداني دون الالتفات حتى إلى مايكروفونات الفضائيات التي تمتد نحوهم
طلبا للتصريحات.
هل كان أحد يعتقد أن شبابا سيهجرون منازلهم ويعفرون ملابسهم القديمة بغبار
الشارع، وأطباء سيغلقون عياداتهم المدرة للربح لأكثر من شهر.. لو كان صالح
يعلم أن جيلا يملك كل هذه الصلابة لما تراجع لحظة حينها عن تقديم تنازلات
بسيطة لعواجيز المشترك تمكنه من مواصلة رقصته الأبدية، لكن حظه السيئ وضعه
هذه المرة في مواجهة ثعابين من نوع مختلف تماما يستحيل عليه الرقص على
رؤوسها وأي محاولة للرقص ستجعله يتلقى لدغات قاتلة.
كل ليلة يظل الشباب حذرين مترقبين لأي هجوم جديد على ساحتهم ومستنفرين من
كل الاتجاهات خاصة مع تكاثف الحشود الأمنية على مداخلها ومن خلفهم مجاميع
من المسلحين المدنيين المكلفين بمهاجمة شباب الثورة، والذين تنفق عليهم
الملايين يوميا من الخزينة العامة، واستعمال هذه العناصر فكرة ظن من يقف
وراءها أنها كفيلة بإنجاح مسرحية المواجهات بين المعتصمين وأهل الأحياء
المجاورة لكن الأمر بدا واضحا ومكشوفا لكل المراقبين، وهذا ما جعل النظام
يتجه نحو التضييق على حركة الصحافة وتهديد المراسلين والاعتداء على آخرين،
وآخر ما تم في هذا الجانب هو قيام الأجهزة الأمنية بمداهمة مقر سكن 4
صحفيين أجانب في صنعاء وطردهم من البلاد بعد احتجازهم لعدة ساعات.
لا تزال الساحة تجتذب إليها الآلاف كل يوم كان آخرهم شباب الثورة السلمية
في عمران الذين نقلوا اعتصامهم إلى ساحة التغيير بصنعاء أمس الأول الأحد
ووفد من مشائخ بكيل القوية يتقدمهم الشيخ أمين العكيمي ومعهم الآلاف من
المعتصمين انضموا إلى الساحة صباح أمس الاثنين، وليس بعيدا عن ذلك تبرؤ
علماء اليمن المعتبرين بمختلف المدارس الفقهية والمشارب الفكرية من كل
أعمال القمع والبلطجة التي يمولها النظام ويديرها أقارب الرئيس وكان آخرها
فتوى علماء الزيدية التي حرمت الاعتداء على المتظاهرين ودعت أفراد الجيش
والأمن إلى النزول مع إخوانهم إلى ساحة التغيير والحرية لإسقاط النظام
الفاسد.
ووجد صالح نفسه مكشوفا دون غطاء ديني إلا من فتاوى مدفوعة الأجر يطلقها
موظفون فاسدون في وزارة الأوقاف يحاول الإعلام الحكومي جاهدا تسويقهم دون
فائدة ويمكن اختصارهم في حمود السعيدي وجبري حسن.