ماذا فعلنا بكم حتى تلحقوا بنا كل هذا
الأذى؟… هاهو، ما أعتبره اليوم إلهاماً طرياً قلته ذات يوم، وتحديداً منذ
ثلاث سنين عجاف، بعد ثلاثون اُخرى مثيلات لهمافعلنا بكم؟…وماذا بعدك أيها الرئيس؟ عبدالله عبدالكريم فارس abdulla@faris.com
الإهداء إلى شباب الحرية في ساحات التغيير: في الأفق البعيد، أرى عاتيات تتناسل سحب مخضبة بالإخصاب، عند بشرى وصولها
سنشرّع مواسمنا الخضراء عبر امتدادات الأحلام... من بدايات نزع الوجع حتى
نهايات اليقين.
ننتظر ميلاد وطن، لأن اليمن لا تزال تحمل وعدها، حبلى بالتحول… بالبرق
وبالرعود… وعندما تنطلق صوب المخاض، عندها لن يستطيع أقزام جنح الليل
مطاردة ولادة صبح الحياة الجديد.
بعدك... ستنهض اليمن من خرائبها… وسنسبح حمداً لأنامل قدتك من صلصال قابل
للتحلل إلى زوال... وحين يتفسخ كل ما حولك، سنسبح أيضاً تلك القدرة البديعة
التي فصلتك كساعة رملية، تستنفذ ذاتها في ذاتها حتى الصفر.
- سنتذكرك مجرد حادث عرضي… كطاعون انفلت عبثاً من أسمال بالية، حملت في ثناياها من سقط القذارات ما لا يجوز ذكره.
ليس لأنك لست منا... بل لأنك أدمنت الدماء والظلام، فلم تمنح الصبح
فرصة... تربعت غير عابئ على عرش من الزَّبد الوهمي، تعتصر خمراً عذابات
الإنسان الجريح، وتشارك الأمر من يتلهون بالبصق في وجه حرية جمهوريتنا
الموءودة.
تحت هذه السماء… نعم، تحت هذه السماء، في وطن خيّر مغروس وسط ثروات لا حصر
لها من المناهل، والجبال، والمناجم الراقدة بسهوله في سبات أهل الكهف. وطن
أرض ومُلك - كما قال المولى - أوتيت من كل شيء، كان له ان يكون المَصدر
الأول بدون منافس لجل مكونات تلك الشامخات التي تناطح عنان السحب في شبه
الجزيرة كلها - حتى القرب فقط يؤهله للمنافسة.
صناعات كان من شأنها أن تثري حساباتك السويسرية أكثر، وتبعد عن اليمن وعن
أياديه العاطلة عن العمل، والرخيصة رخص التراب، على الأقل شبح الفاقة
والجوع.
لكنك فاجئتنا ذات يوم أننا على أعتاب "ثورتك الدخنية وصيد الوزف". عن أي
دخن وصيد كنت تهرف؟!، في حين أنك لم تخرج بعد من عصرك الحجري، تأتينا
شاحباً، هزيلاً، شاحتاً فتاتاً منقوصاً من صدقات الغير، فتمني الأميين
أمثالك زوراً الدخول في عصر الدخن، تلك الزراعة التي سيجتها بالجحيم،
والغوص البدائي الذي منعت عنه التنفس.
- حتى عهد الدخن أنت غير قادر عليه، وغير مؤهل له، بل نتحداك أن تعيد بعض
الوضع الذي اتيته، مهما كان متواضعاً، وهو عامر على أحسن حال، قبل أن تسيس
الكهل وتعسكر الرضع!
منذ ان سحبت الوطن من تحت أقدامنا، لا حشرجة لك يمكنها أن تبرر الأفعال
التي سحقت ألق وجودنا فوق هذه الأرض، ولا شيء يشفع لجريمة اغتصاب وتحريف
"ثورة" إلى "ثروة". - وبالتحديد: ثروتك أنت!
وقبل انتهاء موسم خصي الرجال، ومطاردة الحكايات الشعبية عن الشجعان، سنشعل ألف سؤال وسؤال.
- ماذا فعلنا بكم حتى تلحقوا بنا كل هذا الأذى؟
ذلك هو سؤالنا الأول ولن يكون الأخير، ولسوف يأتي اليوم الذي تسألون فيه
عمّا كنتم تعملون؟!... كما أنه نفس سؤال أرملة ثكلى انتحبت بمرارة أمام
عدسة فضائية، سيظل سؤالها - إلى الأبد - مدوياً في الضمير والآذان، لتضيف:
كيف يظل الناس على إنتمائهم - ويخيل لي أنها قالت إيمانهم - وذلك الفندم
يطبخ لنا الكارثة تلو الكارثة على مدى ثلاثين عاماً؟
- لا عليكِ يا أُماه، الكل ينتظر سفور الآلام عن وجوهنا الصفراء من تعب
الكوابيس. - إن شاء الله، إن شاء الله، ستتقدمين الجمع، كل الجمع، شباباً
وكهولاً إلى الوطن المرتجى، منتفضين على الآلام، خالعين قمصان العويل
والبكاء، لتعانقين الهواء القادم من فضاءات بِكر ما زالت تحفظ نقاوة
أسلافنا.
فالتاريخ يا أُماه، مليءٌ بسقوط الروايات الملفقة، وإهتراء ترسانات الحديد
المتكئة على شرعية أساطير مصطنعة... لا عليكِ، وعدالة السماء أنه سوف يرحل
رغم انفه، ومعه المفتونون بممارسة طقوس الشذوذ على جثث المطحونين.
- قري عيناً، فكل شيء يجمعنا، ولن تكنسنا الأحقاد يوم احتشادنا.. احتشاد
الضحايا... بل، الإنسان المعذب بالأصفاد سيكنس وحل اليوم، كما تكنس المدن
القمامة العفنة من أرضها وتطهرها من الأوبئة.
صلي معنا - يا أُماه - من أجل الخلاص ودقي على أبواب وجدران الله... نعم،
أيقضي سكون هذا السديم، لأن عروش الفراعنة تهتز عند مناجاة رب العرش
العظيم، كما أن قيود القتلة تذوب أمام نشيد الشعوب الهادرة والطالعة
إستدعاءاتها من أعماق التاريخ.
بعدك... سوف تمطر سماؤنا - مرةً أخرى - عرساً للأرض يلغي نشاز أوتار الكون... عرساً يملأ أقداح الدنيا خيراً وعطاءً وحياةً وصلوات.
بعدك... ستزرع الصحراء حدائق أمنها الغذائي، قمحاً وعنباً ونخلاً وإبداعاً
وإنتاجاً وعلماً وفخراً… وسيكون لنا أيام ومهارات وصناعات ونهاران جديدة
ساطعة بالشموس تؤدي إلى الجنتين... أرض اُولوا القوة واُولوا البأس
والحكمة... إلى وطن يشبه تاريخه على مر الأزمان.
المصدر أونلاين