المزاح مع الثورة ليس كترويض الثعابين المصدر أونلاين - خالد عبدالهادي
لا أحد جرب من قبل أن يمازح غضب الثورات وقوتها لكن نظام الرئيس علي عبدالله صالح يستمرىء السير في هذا الخيار المستفز.
ينتظر العالم ووسائل الإعلام لحظة سقوط النظام فيما هو يقبع خلف العالم
بمجرات هائلة متخيلاً أنه ينافس المعارضة على دائرة انتخابية في أقاصي
البلاد ويتمتع بحس ثقيل كحائط من الفولاذ يمنع وصول الصورة الحقيقية إلى
ذهن صاحب النظام.
وكلما تقادمت أيام الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة ، يبرهن النظام بأدلة
أكثر إقناعاً أنه فقد كل شيء بالفعل ولم يعد يملك إلا ثلاثة أسلحة تتآكل
باضطراد: أمناً منقحاً بعناصر بلطجية وإعلاماً يصنع الفكاهة ورجلاً يحتجز
نبض الجميع في انتظار لحظة سقوطه.
ولكي يثبت أن هذه الأسلحة ما تزال تعمل، رأى النظام ضرورة أن يهاجم
المحتجين المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء ليلة الأربعاء بالرصاص الحي
وقنابل الغاز ليقتل محتجاً ويصيب قرابة 80 آخرين بجروح متفاوتة.
جاء الهجوم بعد أقل من أسبوع على تعهد الرئيس بحماية المعتصمين ليبرهن على
ضيقه بالصورة التي يرسمها ملايين الناس ضده وتدفعه قسراً إلى محاولة محوها
ولو عبر الانتحار بسفك دمائهم.
كما يداوم رئيس النظام على أشيائه النمطية ليظهر أن الانتفاضة لم تلهه عن
روتينه المعتاد فعلى سبيل المقال، انشغل أمس الأربعاء ببعث برقية تهنئة إلى
انيرود جونياوث رئيس جمهورية موريشيوس بالعيد الوطني وفقاً لوكالة سبأ
الحكومية.
ربما لم تعلق في ذهن أحد من مواطني الرئيس تسمية الـ"موريشيوس" تلك الجزر
الساحرة الواقعة وسط المحيط الهندي بمساحة لا تتعدى 2500 كليومتر مربع لكن
الرئيس حريص على تهنئتها كي يطرد من ذهنه أي هاجس من قبيل أنه في طريقه لأن
يصير رجلاً عادياً دون صفة الرئيس الملازمة لذلك عليه أن يكثف من مزاولة
مهامه التقليدية إنما مع الصغار في الجزر الوادعة أما الكبار فلم يعد يطاول
التراسل معهم خشية أن يسمعوه نصائح مخيفة كالتي أسدوها لحسني مبارك.
مازال بال الرجل يتجاوز المحيطات ليشارك الموريشيوسيين مشاعرهم بالعيد
الوطني ويأبى أن يتحدث إلى مواطنيه الذين يعتصمون بالعراء ضد حكمه منذ
أربعة أسابيع واكتفى أن وصفهم بالبلاطجة المنخرطين في مؤامرة إسرائيلية
أميركية.
أما التلفزيون الوطني فهو أكثر انغماساً في المزاح الثقيل وانقلبت مهمة
مقدمي برامجه إلى التسكع بجوار ساحات المنتفضين بحثاً عن فتيان وصبية
لتلقينهم كيف يعلنون استقالاتهم من أحزاب المعارضة وعرض الطريقة التي
أقنعتهم بصواب خط الرئيس بعد أن كانوا في طليعة المحتجين.
ويواصل الإعلام الحكومي تقديم مسلسل وهمي كبير عنوانه اقتراب الحكومة من
إقناع كل المحتجين بالعودة إلى منازلهم من خلال انهماكها في محاورتهم.
يوم الثلاثاء، احتفل التلفزيون الحكومي مراراً بصبية داخل صالة، قال إنهم
استقالوا من أحزاب معارضة وتقدم شاب في الثلاثينيات ليعلن استقالته من حزب
الإصلاح وهو يشهر بطاقة رثة على أنها بطاقة عضويته وهي بطاقة قديمة تعود
إلى تسعينيات القرن الماضي لكن عدسة الكاميرا لم تشأ أن تقربها للمشاهدين.
كأن القصر قد خلا من رجال دولة يعون ما حولهم ليتعامل النظام مع منتفضين
يغطون سائر الصعيد اليمني بمزيد من الدعابات وتلقين الصبية والبسطاء نصوص
الاستقالات والثناء على الرئيس وصناعة تهم ضد المحتجين في مشهد يعيد إلى
الأذهان بوح "القوارير" الذي بثه شخص على نفس الشاشة خلال أزمة 1994.
لا يخلص هذا الأداء الهزلي للنظام في مواجهة تحول شعبي تاريخي إلا إلى أن
طغيان الحكم قد أفسد إحساس أصحابه بالفعل ليعتقدوا إمكانية ترويض ثورة
تتشكل وتكاد تكتمل قريبا.
يجدر الكف عن الهزل مع هذا الحدث الكبير فالمزاح مع الثورات ليس كترويض الثعابين.