مسن باع بقرته وتبرع بنصف المبلغ للمعتصمينساحة التغيير.. ليلة ممطرة وتفكير بالتصعيدالمصدر أونلاين - يوسف عجلان
في كل يوم في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء تجد المفاجآت الكثيرة التي تشد
من عزائم الشباب وتدفعهم للاستمرار في اعتصامهم المطالب بإسقاط نظام الرئيس
صالح غير مبالين بما يواجهونه كل يوم من مضايقات ومشكلات وإشاعات تحاول
تفريقهم وثنيهم.
ثوار عقدوا العزم على تحقيق ما خرجوا من أجله، تركوا بيوتهم وأهاليهم،
فارق كثير منهم الفراش النظيف ووجبات الطعام المنزلية وراحة البدن والبال
في حياة بعيدة عن المشاكل، وأقسموا أن لا يعودوا لحياتهم الأولى حتى يسقط
النظام.
بالأمس القريب كانت رصاصات "بلطجية" الحزب الحاكم وحجارته وهراواته
تلاحقهم وتعتدي عليهم ليل نهار، فزادهم إيماناً بقضيتهم وتيقنوا بأن حقوقهم
لن ينالوها إلا بتقديم التضحيات الجسيمة.
توقفت المعاناة من البلطجية، فوجدوا أنفسهم بعد منتصف ليل أمس الأول الأحد
في مواجهة محنة جديدة لكن هذه المرة لا علاقة للبشر بها حيث وجد المعتصمون
أنفسهم عرضة لزخات مطر غرقت على إثرها خيامهم وفراشات النوم ودفعهم المطر
للنوم على الأرصفة.
شائعات يروجها عناصر من الأمن القومي ومخبرون للنظام يعملون ليل نهار
بداخل ساحة التغيير وخارجها، وتهديدات عبر التلفون المحمول تلقاها الكثير
من الأشخاص، ووسائل الإعلام الحكومية تروج لأكاذيب بهدف إحباط عزيمة
المعتصمين. ومع كل ذلك تجد الساحة ممتلئة بعشرات الآلاف من المحتجين غير
المبالين بكل ما يحدث، فأحدهم يعقد لشاب معتصم على ابنته، وآخر يبيع بقرته
ويدفع نصف المبلغ لصالح الثوار، وعلماء ومحامون ومهندسون ومحامون ودكاترة
واعلاميون وممثلون عن شرائح مختلفة يتوافدون يومياً إلى المكان، والأبرز في
ذلك انضمام عشرات الجنود والضباط إلى ساحة التغيير.
ليلة ممطرة وصيحات حماسية لإسقاط النظام بعد أن غادر الكثير من المنصة الرئيسية إلى خيامهم للنوم عند الساعة
الثالثة من فجر أمس الاثنين، بدأت زخات المطر تهطل على المكان أدت إلى
انطفاء مفاجئ للكهرباء في المنطقة الجنوبية للساحة. وتداعى المعتصمون
لمواجهة المشكلة.
أسرع محمد شيبان إلى الخيمة التي ينام فيها أصدقاؤه ويبدءون بجمع
البطانيات والملابس استعداداً لساعات ممطرة ويتوزعون ليذهب بعضهم لمساعدة
الآخرين في رفع خيامهم من مجرى السيول وينتشر آخرون في المداخل لحمايتها
تخوفاً من حدوث هجوم مباغت، خصوصاً بعد انطفاء الكهرباء فجأة على الساحة
تزامناً مع سقوط المطر.
حميد ناصر (أحد أبناء مديرية همدان) يحفر في المنفذ الوحيد لتصريف المياه
التي تجاهلتها وزارة الإشغال العامة والطرق ولم تقم بتنظيفها حيث كانت
تتجمع مياه الأمطار بشكل كبير بعد انسداد تلك الفتحة المجاورة للمنصة،
ويقول لـ"المصدر أونلاين" وهو منهمك في عمله: "مياه المطر تتجمع من منطقة
مذبح ويأتي من اتجاهين إلى هنا والحكومة لم تقم بدورها في عمل حلول لتصريف
المياه واكتفت بجعل الماء يتجمع هنا، وهذا ما يحدث دائماً ويسبب مشاكل في
الأيام العادية فكيف الآن ونحن معتصمون!".
وقريب من المكان قال عبدالقادر أحد المعتصمين لمن كانوا حوله: "إنها رسالة
من رب العالمين أن لا نكثر في النوم والكلام وأن نكثر في هذه اللحظات من
الدعاء والتقرب إلى الله وأن ندعوه بإزالة هذا النظام الظالم الذي كان
سبباً في خروجنا إلى هنا".
وفي مختلف الشوارع الموجودة في الساحة كان العشرات ينظفون الأرصفة مستغلين
هطول المطر لتنظيفها من الأوساخ، وقد كان ذلك واضحاً في صباح الاثنين حين
بدت الساحة وكأنها لأول مرة تبدو بذلك الجمال.
بدأت مياه الأمطار تخف وتجمع المئات حول المنصة ورفعوا أيديهم إلى السماء
يدعون رب العباد: "يا الله يا الله، أسقط علي عبدالله.. يا الله يا الله،
أهلك علي عبدالله.. يا حنان يا منان، أسقط كما سقط الاثنان" (في إشارة إلى
زين العابدين بن علي وحسني مبارك)، بينما الحواجز الأمنية يحتشد بجوارها
المئات استعداداً لأي شيء مفاجئ.
سليمان العزي عندما سألناه عن سبب بقائه مع غيره من المعتصمين في ساحة
التغيير رغم ما يواجهونه من مشكلات وتهديدات ومضايقات قال: نحن خرجنا إلى
هنا من أجل هدف إسقاط النظام ورحيل الرئيس، ولن يخيفنا أي شيء يقومون به،
وسنقدم صدورنا لطلقات الرصاص، وهذا المطر هو نعمة من الله لنا وليس ابتلاء
كما يقول البعض".
وأضاف: اليوم تلقيت رسالة من رقم غريب فيه تهديد لي بسبب مشاركتي في هذا
الاعتصام، وعندما أتصل بالرقم يكون مقفلاً، ولكني أقول لهؤلاء المرجفين
الذين يحاولون تخويفنا: لن تثنونا من أن نواصل مسيرتنا لإسقاط نظامكم
المفلس وإزاحة هذا الحاكم الذي حولنا إلى عبيد لديه.
وأفاد أكثر من واحد تلقيهم مكالمات من أرقام "خاصة" ومن أرقام محلية ثابتة
من اتصالات عامة، تحذرهم من الاستمرار في الاعتصام بساحة التغيير وتطلب
منهم العودة إلى منازلهم أو "تقرح رؤوسهم" بحسب قولهم.
وربما كانت هذه الليلة هي من أجمل الليالي بحسب وصف الكثير لأنها قوت
عزائمهم للمواصلة في مشوار ثورتهم التي يطمحون فيها للوصول إلى القصر
الجمهوري وينصبون حاكماً للشعب يختاره الشعب ويتغير بعد ذلك عبر الصندوق
بانتخابات حرة ونزيهة.
حين رهن الرئيس صالح بطاقته عند المقوت في ساحة التغيير حيث تجد المفاجئات، كان الحاج محمد الكريت وهو كبير في
السن ومن الذين عاصروا الرؤساء السابقين لليمن والرئيس صالح، يحكي لعدد من
الأشخاص المتواجدين حوله عن الأحداث التي عايشها مع الحمدي والإرياني
والغشمي.
كان يروي قصص أقرب للخيال ولكنها حقائق عاشها الأجداد والآباء، وسرد قصة
الرئيس صالح مع بائعة القات في تعز، مخبرا بأن صالح رهن بطاقته العسكرية
مقابل خمسة آلاف ريال قيمة القات الذي كان دين عليه لدى تلك العجوز.
الكريت الذي جاء من محافظة إب للتضامن مع المعتصمين في ساحة التغيير قال
لـ"المصدر أونلاين": بعت بقرتي وأتيت إلى صنعاء وقدمت نصف المبلغ للجنة جمع
التبرعات هنا، والنصف الآخر احتفظت به لأصرف على نفسي خلال تواجدي هنا.
وأضاف: "عندما يكمل المبلغ الذي معي ساعود إلى بلادي وأبيع البقرة الثانية
والأخيرة وأعود إلى صنعاء، ولن أغادر الساحة حتى يرحل الإمام علي عبدالله
صالح ونظامه". واستغرب الكريت من كلام صالح عن القضاء على الإمامة التي
حكمت اليمن وقال: "كيف يتكلم عن الإمامة والإمام أحمد لم يحكم اليمن سوى 15
عاما بينما هو حكم اليمن 33 سنة ولم يكتف بذلك"؟
ومساء الجمعة الماضية تفاجأ المعتصمون في ساحة التغيير بإعلان أحد
المعتصمين عقد قران ابنته على شاب معتصم آخر، وتم عقد القران بشهادة عشرات
الآلاف في جمعة الغضب. وأكد الشاب أن لن يقيم العرس إلا بعد أن يسقط
النظام.
وفي نفس المنصة بعد إعلان عقد القران، وصل شاب من منطقة نقم للاحتفال
بزفافه وسط الجمهور، وسبق أن شهدت الساحة عشرات الاحتفالات بالزفاف.
مكاتب تخصص مساحات لبيع المواد الغذائية أحد عمال النظافة قال لـ"المصدر أونلاين" إن المبلغ الذي يتقاضونه من هذه
الوظيفة مقابل تنظيفهم الشوارع لا تكفيهم، وأنهم وجدوا في ساحة التغيير
مكانا لكسب المال بجمع العلب الفارغة. وأضاف: "لأول مرة أجد أشخاص
يساعدونني في جمع تلك العلب وتسليمها لي وكأنهم يجمعونها لهم، وربما ننضم
إلى المعتصمين خلال الأيام القادمة إذا لم تستجب الحكومة لإضرابنا".
ولم يكن استثناء أصحاب المكتبات والمحلات والأكشاك في تخصيص أجزاء من
أماكنهم لبيع المواد الغذائية، إضافة إلى مالكي العربيات الذين يبيعون
أنواعا مختلفة من البطاط والبيض والرومي وغير ذلك.
التفكير ببرنامج تصعيدي ويوما بعد يوم تكشف لنا ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء عن عزم المعتصمين
مواصلة المسيرة نحو إسقاط النظام، والاستعداد لبدء مراحل جديدة من التصعيد
عبر الإضراب العام وشل الحركة العامة والتفكير ربما لما هو أكبر من ذ