المحلات تجني أرباحاً مضاعفة وبائعة اللبان تتبرع بثلاثة آلاف ساحة التغيير.. وطن الأحلام المصدر أونلاين - يوسف عجلان
الحلم بمستقبل أفضل ووطن يتسع لكل أبنائه هو الغاية التي جمعت عشرات
الآلاف من الشباب إلى الساحة الأمامية لجامعة صنعاء والشوارع المتفرعة منها
وأطلقوا عليها ساحة التغيير.
ولهذا فقد توحدت هتافاتهم وصرخاتهم صوب تحقيق هذا الهدف الذي يعتقدون أن
الخطوة الأولى لتحقيقه تبدأ بإسقاط النظام الممسك بتلابيب البلد منذ 33
عاماً.
في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء اجتمع الناس من مختلف الفئات والأعمار
والتوجهات، أساتذة جامعة وطلاباً ومهندسين وعمال نظافة ومحامين وأطباء
وبرلمانيين وسياسيين وحزبيين وقبليين وأميين وجنود.
رغم المضايقات والاعتداءات التي يتعرض لها من في الساحة من بعض عناصر
الأمن المتواجدين بشكل مكثف على مداخل ساحة التغيير، إلا أن ما بالداخل
يختلف بشكل كبير عما في الخارج.
في خارج الساحة يوجد جنود مسلحون يقومون بالتفتيش، وعند تجاوزهم تجد حواجز
أمنية من النساء والرجال لا يحملون أي سلاح يقومون بحماية المعتصمين
ويجرون عمليات التفتيش الروتينية التي تحتم عليهم إشعار من بالداخل بالأمن.
بعد
أن كانت الخيام التي نصبت لا تتجاوز العشر في أول يوم اعتصم فيه الشباب،
أصبحت الساحة بمختلف الطرق المؤدية إليها مليئة بخيام المعتصمين مختلفة
الأشكال والأحجام بعضها مغطاة تماما بالرسومات ولافتات عليها شعارات
وعبارات تعبر عما في نفوس ساكنيها.
يفتتح المعتصمون يومهم عندما يصدح النائب –المستقيل مؤخرا– فؤاد دحابة
بأذان الفجر ويتجمعون لأداء الصلاة التي لا تخلو في الغالب من دعاء بزوال
النظام ورحيل صالح.
ولأن كل المعتصمين يشعرون أن الساحة هي وطنهم الحقيقي، فإنهم يتسابقون بعد
الصلاة وفي مشهد رائع يتكرر كل يوم لتنظيف الساحة، وتبدأ عملية جمع
المخلفات من جميع الأماكن، فيما تعلو الأصوات بالنشيد الوطني الذي يردده
الآلاف بصوت واحد لتعلو بعدها الأغاني الوطنية.
لحظات تناول طعام الإفطار تجعل المشاركين يشعرون أنهم في مجتمع مختلف حيث
تغمر الجميع مشاعر الإيثار والود من خلال تبادل الساندوتشات ويدور البعض
على الخيام متفقدا زملاءه وبروح العائلة الواحدة يتبادل الحاضرون ما
بحوزتهم وفي الغالب فإن الحال لا يختلف "خبزتين وحبتين جبن أو فول مع خبز".
يتوافد الناس سواء كانوا منضمين جدد للاعتصام أو ممن غادروه مساءا
ليواصلوا دأبهم اليومي في ترديد الهتافات والصرخات المعبرة عن توقهم
للتغيير والرافضة لبقاء الحاكم المعتق.
وعند الظهيرة تبدأ المجموعات القادمة من منطقة جغرافية واحدة أو من فئة واحدة بجمع المال لتوفير وجبة الغداء.
حضر العشرات من بائعي القات ويجدون الفرصة لبيع أكثر كمية من القات
للمتواجدين في الساحة، ويكسبون الكثير وشعارهم، (يسقط النظام ويرحل علي)،
فيما تمتلئ الكثير من الساحات بمختلف الأشخاص يتبادلون الحديث فيما بينهم
وبين لحظة وأخرى يرددون الزامل والشعارات.
أحد المعتصمين الجدد يقول لـ"المصدر أونلاين" كنا نشعر بالخوف من الحضور
هنا بعد ما كنا نسمع ونرى من اعتداءات البلاطجة وعندما حضرنا إلى هنا لم
نعد نشعر بذلك الخوف لأن ما وجدناه هنا هو عالم مختلف.
منصة الحكمة يمانية لا تتوقف من عدد الصاعدين إليها الذين يلقون الكلمات
والشعارات والزوامل والأشعار، منذ الصباح وحتى منتصف الليل حيث في المساء
تعلو الأصوات والأهازيج، بتواجد المنشدين والفنانين والممثلين الذين
يشاركون المعتصمين الفكاهة والضحك والأناشيد الوطنية.
وبداخل الخيام الممتلئة في ميدان التغيير فنان حضر بعوده وبطبله، يغني
ويمتع من يحب الاستمتاع بأغان جديدة ثورية، وبخيام مختلفة أحضرت عدد من
التلفزيونات لمشاهدة القنوات الإخبارية، فيما تقام ندوات يتحدث فيها أساتذة
جامعيون وخبراء ومحللون سياسيون، ومحاضرات دينية في خيام أخرى يتحدث فيها
مشائخ علم.
فيما تحضر العشرات من النساء الكعك ويقمن بتوزيعه على المعتصمين لإشعارهم
بأن المرأة جزء منهم حتى إن لم تكن معهم في الميدان فهي الجندي المجهول
التي تجهز الطعام وتشجعهم وتشد من عزيمتهم.
أرباح مضاعفة يجنيها أصحاب المحلات والعربيات المحلات المحيطة بساحة التغيير كانت مغلقة، ولكنها سرعان ما فتحت أبوابها
بعدما شعرت بالأمان من المتواجدين بالساحة، بل ويقول عدد من أصحاب المحلات
إنهم يكسبون أضعاف ما كانوا يكسبون في الأيام العادية.
مكتبات وأكشاك وبقالات ومطاعم وبوفيات هي تلك المحلات المتواجدة في ساحة
التغيير والتي وجدت نفسها محظوظة بأن المعتصمين دائماً ما يتوافدون إليها،
ولم يتأثروا بما روج له من قبل بعض وسائل الإعلام.
يتوافد الى المكان أيضا العشرات من أصحاب العربيات عليها (البيض والبطاط
والخيار والبليلة و...)، ليبيعوا ما لديهم للمعتصمين، وقد قال مالك عربية
لـ"المصدر أونلاين" إن دخله زاد الضعف عن السابق.
وإحداهن تبيع (اللبان والشوكلاته) كانت تجمع ما تربح من بيعها في حصالة،
حضرت عصر الاثنين الماضي إلى منصة الاعتصام، وتبرعت بالمبلغ الذي جمعته
(3000) ثلاثة آلاف ريال.
في الساحة.. دراسة ومذاكرة فوجئت قبل يومين وأنا أرى عدداً من الطلاب يجتمعون حول الشيخ محمد الوقشي
وهو يلقي عليهم دروساً في الفقه وسط الساحة، ويسألونه وهو يجيب بعد أن حضر
بنفسه ليشارك طلابه المعتصمين ويعوضهم عن غيابهم من حضور محاضراته في
الجامعة.
ويقول الوقشي لـ"المصدر أونلاين" إن من واجبه أن يساند طلابه الذين يحضرون
للاعتصام ويعطيهم الدروس التي يطلبونها منه، ويرد على تساؤلاتهم حتى
يستفيدوا من وقتهم تمام الفائدة.
أستاذ في جامعة صنعاء يجلس بمكان آخر وهو يقوم بتصحيح دفاتر اختبارات
الطلاب وعند الصباح الباكر يدخل الجامعة لأداء عمله ويعود بعدها مرة أخرى
إلى الساحة.
طالب جامعي لم يبال بالضجيج الذي يصدر عن مكبرات الصوت وقرر أن يواصل
مذاكرة المقررات الجامعية التي سيؤدي الاختبار فيها، ويقول إنه يشعر بأن
نفسيته تفتحت للمذاكرة أكثر من جلوسه في البيت.
معتصمون قالوا للمصدر إنهم شعروا أن ساحة التغيير احتضنتهم كوطن لأسباب
كثيرة ولكن الأهم كما يقولون "حدود الدولة (الساحة) معروفة ويحرسها مواطنون
كونوا حواجز أمنية بأجسادهم لمنع دخول البلطجية
والدخلاء إلى دولتهم، كما أن اللجنة الأمنية تتابع باستمرار عبر اتصالاتها
مع منافذ وطنهم الصغير لمتابعة آخر التطورات كونهم يعيشون في حالة طوارئ".
ولأن الخيام المتواجدة بالداخل اكتظ بها المكان فهي برأيهم البيوت الآمنة
التي يذهب إليها المعتصمون وينامون ويتناولون الطعام بداخلها، ويقرأون
الكتب ويشاهدون التلفاز ويستقبلون ضيوفهم ويتبادلون الحديث فيما بينهم،
ويقيمون جلسة المقيل.
أما الساحة التي يجتمع فيها الآلاف ويرددون الشعارات المناوئة للنظام فهي ساحة الحرية والتعبير عن آرائهم.
وحتى تكتمل الدولة الحقيقية، فاللجنة الأمنية التي تتواجد في خيمة بالقرب
من المنصة قامت بتشكيل لجان دفاعية لحماية المتظاهرين، ولجان أمنية لحماية
الصحفيين وكبار الشخصيات التي تتواجد في المكان بعد محاولات للاعتداء
عليهم.
اللجنة الإعلامية من جانبها تتولى بموافاة المؤسسات الإعلامية بالأخبار،
كما قامت بتركيب شاشات كبيرة في عدد من الأماكن لمشاهدة القنوات الإخبارية
تبرع بها متطوعون لصالح التغيير.
قبل يومين تم إعداد مستشفى ميداني متكامل لاستقبال جميع الحالات بما فيها
الحالات الطارئة والاستغناء عن نقل الجرحى إلى مستشفيات خارجية، إضافة إلى
لجان طبية متواجدة في أنحاء متفرقة من الساحة لاستقبال حالات الإغماء
والجروح البسيطة.
حتى إن الرياضة وجدت مكانها، فقد كونت لجان لإقامة مباريات ودية وتدريبات رياضية لمن يرغب في ذلك وانتشرت في كل مكان.