الحوثي يلتقط إشارة خيار الشارع والنظام يتجاهل الدرسصعدة ترفع شعار "إسقاط النظام" سلمياًالمصدر أونلاين – الناس: عبدالله السالمي
أضافت "جماعة الشعار" إلى شعارها الشهير "الموت لأمريكا.. الموت
لإسرائيل.." شعارا آخر.. هو "الشعب يريد إسقاط النظام".. أربع كلمات تشكل
جملة مفيدة لم يلتق الفرقاء في اليمن، ممّن يقفون على النقيض من السلطة،
على أي شيء كما التقوا عليها..
وجماعة الشعار – وهي صفة أخرى للحوثيين آثر عبدالملك الحوثي نفسه تسميتهم
بها ذات حين – في مأمن هذه المرة من أن يُؤخذ عليهم، من أيٍ كان، استقدام
شعار تم تداوله ابتداء على الضفة العربية للأبيض المتوسط في تونس ومصر
وليبيا، كما أخذ عليهم البعض من قبل أن شعارهم الأثير تهادى إليهم من
إيران.. إذ عدا عن كون "الشعب يريد إسقاط النظام" شعارا عربيا بامتياز،
فإنه في اليمن عنوان تلاشى لحسابه مطلب "فك الارتباط" في الجنوب، ولم يعد
ثمة من صوت سواه يعلو في الشمال والجنوب والوسط، وعلى امتداد ساحات
"التغيير" و "الشهداء" و "الحرية" في صنعاء وعدن وتعز وإب والحديدة
والغالبية العظمى من المحافظات اليمنية على حد سواء.
وفضلا عن كون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، بوصفه الآن الجامع للقوى
والتيارات المعارضة لنظام الرئيس علي عبدالله صالح المانع من دخول غيرها
إليها، قد توج بانضواء الحوثيين تحت مظلته تحركات شهور خلت للتقارب مع
المعارضة السياسية في البلد، فإنه قد أظهرهم أكثر من أي وقت مضى أقرب إلى
تطلعات الشارع ونبض الجماهير، وفوق ذلك غيّب عن أفق الجميع حساسية
التمايزات المذهبية والمنطلقات الايديولوجية، أو أرجئها إلى حين.
ركب التغيير السلمي محافظة صعدة، وقد كانت مسرحا لحروب طاحنة على مدى سنوات ست، التحقت منذ
حوالي أسبوعين بركب المسيرات الاحتجاجية السلمية المطالبة برحيل النظام،
فجماعة الحوثي التي كانت إلى وقت قريب لا تطالب بأكثر من معالجة آثار الحرب
وما تسميه "العودة بالوضع في صعدة إلى ما كان عليه قبل 2004" صعّدت الآن
من لهجتها تجاه السلطة، التي لم تزل تجاهر، بمناسبة ومن دون مناسبة،
باتهامها للحوثيين بمحاولة الانقضاض على النظام الجمهوري واستعادة حاكمية
إمامة "آل حميد الدين"..
ومع الإشارة إلى أن "المطالبة بإسقاط النظام" لا تعني بالضرورة في حق
جماعة الحوثي– وسواهم من باب أولى - العودة باليمن إلى الملكية المتوكلية،
فإن في تأكيد زعيم الحوثيين على استعدادهم للنزول إلى الشارع والمطالبة
بالتغيير عبر الوسائل السلمية خطوة مطمئنة من شأنها استطالة فاعلية اللاعنف
في اليمن، وتأكيد قدرة النضال السلمي على تحقيق التغيير المنشود.
وقال عبدالملك الحوثي منتصف الشهر الجاري "فبراير" أثناء احتفالية حاشدة
بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف: "على الشعب اليمني أن يستغل الفرصة في
الوقت الراهن للتحرك الجاد والواعي والمسئول لتغيير الواقع وإزاحة هذه
السلطة المجرمة" على حد تعبيره. وأضاف: "ونحن في طليعة شعبنا حاضرون للقيام
بواجبنا في إطار التحرك الشعبي الواسع، وإلا فإن الشعب كلما تأخرت هذه
السلطة سيعاني المزيد والمزيد من شرها وظلمها وطغيانها وإجرامها".
وفي الجمعة الفائتة بدت عديد ساحات في محافظة صعدة على أشد ما يكون اتساقا
مع مختلف الساحات في عدن، ومع ساحة التغيير في أمانة العاصمة، وساحة
الحرية في تعز، وساحة خليج الحرية في إب، وساحة الحرية بحديقة الشعب في
الحديدة، وسواها.. اللهم إلا من فارق امتازت به ثغر اليمن الباسم عن البقية
من خلال سلوك قوات الأمن الوحشي الدموي، الذي نتج عن اتخاذها قوة السلاح
وسيلة لتفريق المتظاهرين سقوط قتلى وجرحى بالعشرات.
وفيما قدرت مصادر صحفية تعداد متظاهري صعدة في الجمعة الماضية بما يقرب من
مائتي ألف توزعوا على ثلاث مسيرات جرت كلها بعيدا عن مركز المحافظة، وبدا
واضحا أن أنصار الحوثي والموالين له هم الذين سيّروها في مديرية سحار إضافة
إلى مديرتي حيدان ورازح، إلا أنها وبحسب شهود عيان لم تخل من مواطنين
كانوا إلى وقت قريب على خلاف مع الحوثيين في التوجه والايديولوجيا، كما
أنها - حسب شهود العيان كذلك - خلت عدا السلاح الأبيض من المظاهر المسلحة،
إلا من أفراد قلائل لتأمين الحماية حسب تعبيرهم.
وهذا الرقم "200 الف" قياسا بالإجمالي العام لتعداد ساكني محافظة صعدة
البالغ قرابة "750" ألف نسمة يعد كبيرا، لاسيما إذا أضيف لتعداد أولئك ما
ينتمي لهم من نساء لا يعني عدم حضورهن المسيرات وقوفهن ضدها بقدر ما هو
استجابة لإملاءات المجتمع المحافظ في عموم محافظات الجمهورية. بما يعني في
المحصلة النهائية أن المسيرات الاحتجاجية تلك تعبر عن غالبية سكان صعدة.
وتعد مسيرات الجمعة تلك الثانية من نوعها في صعدة إثر خطاب زعيم الحوثيين
سالف الذكر، إذ خرج الاثنين قبل الماضي عشرات الآلاف في مسيرة جابت شوارع
"ضحيان" شمال مدينة صعدة عاصمة المحافظة. وفيما برز في الأولى والثانية
شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" سواء فيما حمله المتظاهرون أو قاموا
بترديده إلا أن خصوصية جماعة الحوثي الأيديولوجية ظهرت في نوع من الشعارات
يصم السلطة بالعمالة لأمريكا وإسرائيل.
وكما المسيرة الأولى صدر عن الأخيرة بيان ذُيّل باسم "أبناء محافظة صعدة"
في إشارة لافتة من جماعة الحوثي إلى أن مختلف الفعاليات الشعبية والقبلية
في صعدة شاركت في المظاهرة، بينما لا يمكن فصل ذلك التذييل عن دلالته
الجوهرية على تجليات الأمر الواقع الذي يتمثل في استطالة حضور الحوثيين على
معظم مديريات المحافظة.
دلالة التحول الايجابي وفي سياق التحركات الاحتجاجية الواسعة في اليمن التي تنشد التغيير رفعا
لشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" فان لجوء الحوثيين إلى الشارع في مسيرات
سلمية يكتسب أهميته من قدرة هذه الجماعة، المعروفة بكونها مسلحة، على
الظهور بطابع يشي بإمكانية التحول الايجابي إلى المدنيّة وآلياتها في
التعبير وانتزاع الحقوق، وفق متطلبات مسارات التغيير سلميا، بالطريقة التي
أفلحت في تونس ومصر، وهي في طريقها إلى تحقيق غاياتها في ليبيا، وربما
البحرين.
وباعتبار أن الحوثيين ليسوا استثناء في اليمن بالنظر إلى ملكية السلاح
وحمله إلا أن وضعهم المنضبط وفق مرجعية عقدية واحدة يجعلهم ومن بجوارهم
وفيما يسيطرون عليه ميدانيا في مرتبة أسلم وأدعى للطمأنينة من القبيلة،
أنّى كانت، بخصوص ضمان التعاطي الآمن مع مئالات التغيير، في حال تجسدت
مخاوف الصراع القبلي، التي قد يرى البعض في بروزها بقوة إلى السطح معادلا
موضوعيا لانهيار النظام.
وعلى المستوى القبلي تبدو جماعة الحوثي في وضع متماسك لا يمكن لكبريات
القبائل اليمنية في الوقت الراهن بلوغ أدنى مراتبه تنظيما وتكاتفا وترابطا،
ففضلا عن كون جماعة الحوثي التي تنطوي على مزيج من أبناء مختلف قبائل
الشمال اليمني قد صهرتهم ضمن نسيج واحد قوامه الايديولوجيا وليس العشيرة،
فإنها في الوقت نفسه تمتلك قابلية استيعاب المزيد من أفراد القبائل بسرعة
فائقة، بشكل يجعلها، لولا أنها ليست قبيلة بالمفهوم العرفي للقبيلة، أهم
المكونات القبلية الراهنة تأثيرا، بما يعني أن الحديث عن قبيلتين مثل
"بكيل" و"حاشد" لم يعد بذات الأهمية التي كان عليها منذ عقود.
ثم إن مقاربة جماعة الحوثي بالحالة القبلية لا يعني تعذر إمكانية تموضعها
مستقبلا على هيئة مدنية تتراجع فيها مظاهر السلاح إلى خلف الكواليس، ففي
تنوع اشتغالات الجماعة إعلاميا وميدانيا واجتماعيا، وبتفوق ملحوظ، ما يؤشر
على أن لديها من الخبرة التراكمية في كل تلك الجوانب ما يجعل من وجودها في
الشارع رديفا مهما لحركة التغيير، وعلّ التأمل في احتفالية المولد النبوي
الشريف التي جرت مؤخرا وما رافقها من دقة التنظيم وهيبة الأداء، إن من خلال
ساحة الاحتفالية وذلك الحشد المهيب أو تأمين المداخل إليها وتسهيل وصول
الوافدين، ما يؤكد تمرس الحوثيين على محددات ومتطلبات أدنى من دولة وأكبر
من جماعة.
وغني عن القول إن في مقدور جماعة الحوثي جعل محافظة صعدة على الأقل، إن لم
يكن مع محيط لا باس به في الشمال اليمني يستوعب أجزاء من عمران والجوف
وحجة وربما مأرب، في منأى عن الخوض المباشر في أية اضطرابات مسلحة يراد
للقبائل أن يكونوا وقودها، إما دفاعا عن النظام ضد مناوئيه أو العكس. بما
يعني إمكانية النظر إلى صعدة بوصفها الأكثر أمنا وأمانا في حال تجاوز
التهديد بورقتي الصراع القبلي والتشطيري مستوياته النظرية إلى الواقع
العملي، في سياق استماتة الحاكم دفاعا عن الكرسي وملحقاته.
وبعيدا عن كل ذلك فإنه يظل في التحول إلى طلب التغيير سلميا على أعلى
مستوياته وهو "إسقاط النظام" من خلال المسيرات والاعتصامات التي شهدتها
محافظة صعدة مؤخرا بريادة جماعة الحوثي ما يستحق التوقف عنده والتأمل فيه
مليا، إذ أن الرهان على قوة السلاح بات اليوم أكثر خسرانا، ولقد آذنت ثورة
الـ "بوعزيزي" في تونس، التي تعززت حتى اللحظة بثورة شباب "25 يناير" في
أرض الكنانة، بالسقوط المدوي لذلك الرهان، واللافت أنه فيما النظام الحاكم
في اليمن يتعامى عن أخذ العبرة والإفادة من الدرس ها هي جماعة الحوثي تثبت
أنها الأذكى والأوعى، وليس أدل على ذلك من التقاطها السريع لإشارة خيار
الشارع ولجوئها إليه التحاقا بركب شباب التغيير على مختلف الساحات في
كبريات المدن اليمنية وسواها..