أدلة عدالة
الصحابة من الكتاب العزيز
عدالة الصحابة عند أهل السنة من مسائل العقيدة القطعية، أو
مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويستدلون لذلك بأدلة كثيرة من الكتاب
والسنة.
الآية الأولى: يقول الله عز وجل:
{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل
السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً} (سورة الفتح: 18).
قال جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما: كنا ألفا وأربعمائة (صحيح البخاري: كتاب المغازي -باب عزوة
الحديبية- حديث [4154] فتح الباري: 7/507. طبعة الريان).
فهذه الآية ظاهرة الدلالة على تزكية
الله لهم، تزكية لا يخبر بها، ولا يقدر عليها إلا الله. وهي تزكية بواطنهم
وما في قلوبهم، ومن هنا رضي عنهم. ((ومن رضي عنه تعالى لا يمكن موته على
الكفر؛ لأن العبرة بالوفاة على الإسلام. فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على
من علم موته على الإسلام)) (الصواعق المحرقة: ص 316 ط). ومما يؤكد هذا ما
ثبت في صحيح مسلم من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((لا يدخل النار
إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد؛ الذين بايعوا تحتها)) (صحيح مسلم: كتاب
فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة. . حديث [2496]. صحيح مسلم
4/1943.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:
((والرضا من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أن يوافيه على موجبات
الرضا -ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً- فكل من أخبر الله عنه أنه
رضي عنه فإنه من أهل الجنة، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح؛
فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له. فلو علم أنه يتعقب ذلك بما
سخط الرب لم يكن من أهل ذلك)) (الصارم المسلول: 572، 573. طبعة دار الكتب
العلمية. تعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد).
وقال ابن حزم: ((فمن أخبرنا الله عز
وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزلا السكينة عليهم، فلا يحل لأحد
التوقف في أمرهم أو الشك فيهم البتة)) (الفصل في الملل والنحل: 4/148).
الآية الثانية: قوله تعالى: {محمد
رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم رُكعاً سُجدا
يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مَثَلهم
في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على
سُوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات
منهم مغفرة وأجراً عظيماً} (سورة الفتح: 29).
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى:
((بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة -رضي الله عنهم- الذين فتحوا
الشام، يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك؛
فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظهما وأفضلها أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة
والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى هنا: {ذلك مثلهم في التوراة}.
ثم قال: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه} أي فراخه. {فآزره} أي: شده
{فاستغلظ} أي: شب وطال. {فاستوى على سوقه يعجب الزراع} أي فكذلك أصحاب رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- آزروه وأيدوه ونصروه، فهو معهم كالشطء مع
الزراع ليغيظ بهم الكفار)) (الاستيعاب لابن عبد البر 1/6 ط. دار الكتاب
العربي بحاشية الإصابة، عن ابن القاسم. وتفسير ابن كثير: 4/204 ط. دار
المعرفة -بيروت، دون إسناد).
وقال ابن الجوزي: ((وهذا الوصف
لجميع الصحابة عند الجمهور)) (زاد المسير: 4/204).
الآية الثالثة: قوله تعالى:
{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم} إلى قوله تعالى: {والذين جاءوا
من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل
في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} (سورة الحشر: 8 - 10).
يبين الله عز وجل في هذه الآيات
أحوال وصفات المستحقين للفيء، وهم ثلاثة أقسام: القسم الأول: {للفقراء
المهاجرين}. والقسم الثاني: {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم}.
والقسم الثالث: {والذين جاءوا من بعدهم}.
وما أحسن ما استنبط الإمام مالك
رحمه الله من هذه الآية الكريمة، أن الذي يسب الصحابة ليس له من مال الفيء
نصيب؛ لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء -القسم الثالث- في قولهم: {ربنا
اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} الآية (تفسير ابن كثير: 4/339).
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
((الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه أن
تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. قال: ثم قرأ: {للفقراء المهاجرين} إلى
قوله: {رضوانا} فهؤلاء المهاجرون. وهذه منزلة قد مضت {والذين تبوءوا الدار
والإيمان من قبلهم} إلى قوله: {ولو كان بهم خصاصة}. قال: هؤلاء الأنصار.
وهذه منزلة قد مضت. ثم قرأ: {والذين جاءوا من بعدهم} إلى قوله: {ربنا إنك
رءوف رحيم} قد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن
تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. يقول: أن تستغفروا لهم)) (الصارم المسلول:
574، والأثر رواه الحاكم 2/3484 وصححه ووافقه الذهبي).
وقالت عائشة رضي الله عنها: ((أمروا
أن يستغفروا لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسبوهم)) (رواه مسلم في
كتاب التفسير-حديث [3022] صحيح مسلم 4/2317).
قال أبو نعيم: ((فمن أسوأ حالاً ممن
خالف الله ورسوله وآب بالعصيان لهما والمخالفة عليهما. ألا ترى أن الله
تعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن يعفو عن أصحابه ويستغفر لهم ويخفض
لهم الجناح، قال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف
عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} (سورة آل عمران: 159). وقال: {واخفض
جناحك لمن تبعك من المؤمنين} (سورة الشعراء: 215).
فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من
تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن، فهو العادل عن أمر الله تعالى
وتأديبه ووصيته فيهم. لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي -صلى
الله عليه وسلم- وصحابته والإسلام والمسلمين)) (الإمامة: ص 375-376. لأبي
نعيم تحقيق د. علي فقهي، مكتبة العلوم والحكم بالمدينة ط1 عام 1307 هـ).
وعن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ((لا
تسبوا أصحاب محمد، فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم، وقد علم أنهم
سيقتتلون)) (الصارم المسلول: 574. وانظر منهاج السنة 2/14 والأثر رواه أحمد
في الفضائل رقم (187، 1741) وصحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية، ونسب
الحديث لابن بطة منهاج السنة 2/22).
الآية الرابعة: قوله تعالى:
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله
عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك
الفوز العظيم} (سورة التوبة: 100).
والدلالة في هذه الآية ظاهرة. قال
ابن تيمية: (فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان. ولم يرض عن التابعين
إلا أن يتبعوهم بإحسان) (الصارم المسلول: 572). ومن اتباعهم بإحسان الترضي
عنهم والاستغفار لهم.
الآية الخامسة: قوله تعالى: {لا
يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من
بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} (سورة الحديد: 11).
والحسنى: الجنة. قال ذلك مجاهد
وقتادة (تفسير ابن جرير: 27/128. دار المعرفة 0بيروت ط الراعبة 1400 هـ).
واستدل ابن حزم من هذه الآية بالقطع
بأن الصحابة جميعاً من أهل الجنة لقوله عز وجل: {وكلا وعد الله الحسنى}
(الفصل: 4/148، 149. ط).
الآية السادسة: قوله تعالى: {لقد
تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من
بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم} (سورة
التوبة: 117).
وقد حضر غزوة تبوك جميع من كان
موجوداً من الصحابة، إلا من عذر الله من النساء والعجزة. أما الثلاثة الذين
خُلفوا فقد نزلت توبتهم بعد ذلك.