شبكة ومنتديات قلعة اليمن
قالت صحيفة ,,كريستيان ساينس مونيتور,, أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعد العدة بخطى حثيثة لحرب إلكترونية عبر شبكات الكمبيوتر في وجود تهديدات «مزعجة ومتعاظمة» تحدق بالبلاد بحسب الصحيفة, ونقلت عن مسؤولين كبار في البنتاغون قولهم إن طبيعة الهجمات المعقدة هي التي دفعتهم الى التحقق من جدوى التوسع بمفهوم الدفاع الجماعي لحلف الناتو، لكي يشمل الفضاء الافتراضي (الإلكتروني).
وبينما تكتسب تلك الخطوات زخما، فإن المؤسسة العسكرية الأميركية منهمكة في دراسة بعض القواعد الأساسية للحروب، من قبيل وضع تعريف لما يمكن أن يطلق عليه وصف الهجوم، وما حجم الهجوم الإلكتروني الذي يبرر ردا انتقاميا افتراضيا.
وقال نائب وزير الدفاع الأميركي ويليام لين: إن من بين التحديات التي تواجه خبراء الاستراتيجية بالبنتاغون اليوم هو تحديد المدى الذي يمكن اعتبار تصرف ما هجوما.
ويقول مسؤولو الدفاع إن الأمر الذي يتطلب دقة مماثلة في النظر هو كيفية تحديد من الذي يشن الهجوم. وهذا بدوره يزيد الأمور تعقيدا. وفي هذا الصدد، ذكر لين في جلسة نقاش عقدت اخيرا بمجلس الشؤون الخارجية أن عدم معرفة مصدر الهجوم الذي تتعرض له يجعلك غير قادر على شن رد انتقامي.
وأبدى المسؤول الأميركي انزعاجه لما تنطوي عليه الحرب الإلكترونية الافتراضية من تعقيدات يجعلها تختلف كثيرا عن «الصواريخ النووية التي يعرف لها عنوان» على سبيل المثال.
وأضافت الصحيفة إن تحديد مصدر هجوم افتراضي هو الموضوع الذي يعكف مسؤولوا البنتاغون على بحثه مع نظرائهم في بريطانيا وكندا وأستراليا ودول أخرى قبل موعد انعقاد قمة الناتو في لشبونة بالبرتغال في نوفمبر، حيث الحروب الافتراضية هي أحد الموضوعات المدرجة في جدول الأعمال.
كما يبحث المسؤولون في الدول الأعضاء في حلف الناتو قضايا جوهرية مثل كيفية تبادل المعلومات والتقنيات المتعلقة بالحرب الافتراضية، مما يعكس أن مفهوم الدفاع الجماعي في الحروب الإلكترونية لا يزال في مراحله الأولى.
وشهد الأسبوع الماضي أحداثاً تخريبية كبرى في الفضاء الإلكتروني للإنترنت والتي كانت غائبة لفترة عن الوعي العالمي العام لخفاء آلياتها وصعوبة تتبع مصدرها، وقد أطلق خبراء الشبكة مسمى اصطلاحيا عليها هو: سلاح الفضاء الإلكتروني الكبير الأول ( first cyber superweapon ) كما يطلق عليه مسمى Stuxnet ، و«ستوكسنت» كناية عن فيروس أو دودة إلكترونية تم اكتشافها لأول مرة في شهر يونيو الماضي، الجديد هو أن «ستوكسنت» تستهدف أنظمة التحكم في المنشآت الصناعية والتقنية لا سيما تلك المصنعة من قبل شركة سيمينز الالمانية إضافة لسرقة المعلومات الهامة عن البرامج الصناعية الهامة كالبرنامج النووي الإيراني مثلاً وإرسالها لجهات محددة مما يخول «الهاكرز» من السيطرة على الأجهزة والمعدات الصناعية عن بعد، الأمر الذي يعني تعريض العديد من الأجهزة الصناعية لخلل خطير كمثل تعطيل المضخات بمختلف أنواعها، والمحركات، وأجراس الإنذار، وأنظمة إطفاء الحريق، ويمكن أن يؤدي من الناحية النظرية على الأقل إلى انفجار الغلايات الضخمة في المصانع ومحطات تحلية المياة وإصابة خطوط الغاز والنفط بأضرار بليغة او تعطيل محطات توليد الكهرباء النووية التي يبدو أنها هي المستهدف الأول للفيروس. والأكيد أن هذا الفيروس الذي وجد في الأصل لمهاجمة مواقع تصنيع أسلحة الدمار الشامل سيتحول هو وأضرابه إلى سلاح دمار إلكتروني شامل.
وكانت الصين هي آخر ضحايا هذا الهجوم الإلكتروني الفتّاك حيث انتشر الفيروس في زمن قياسي في 100,000 منشأة صناعية بالصين و10 ملايين حاسب شخصي في تلك البلاد المترامية الأطراف فأصاب كثيرا من مرافقها بالأضرار وبعضها بالشلل، ومما يزيد في خطورة هذا الحدث ويرتقي به لمرحلة الخطورة على الأمن والسلم العالمي هو خروج «ستوكسنت» عن السيطرة في الانتشار إذ أن المستهدف الأساس كانت المرافق النووية الإيرانية واعترفت إيران بإصابته محطة بوشهر النووية لتوليد الطاقة بالفيروس كما أكدت الحكومة الإيرانية أن ذلك سيؤخر تاريخ افتتاح المحطة لمدة شهرين.
واستطاع الفيروس أن يجد طريقة للمرافق الصناعية لدول أخرى هي الهند وباكستان وإندونيسا وانتهى به المطاف الأسبوع الماضي بمهاجمة مرافق الصين الصناعية وتكبيدها خسائر لم يعرف بعد مداها، مما يعني أنه وأمثاله في المستقبل من الأسلحة الإلكترونية الكبرى قد تصيب أي بلد في العالم فتشله لسنوات طويلة سواءً أكان مستهدفاً في الأصل أم لم يكن. وقد تتكتم بعض الدول على ما اصابها حتى لاتعرف نقاط الضعف في منظوماتها الصناعية مما قد يؤدي الى مهاجمتها بشكل اوسع.
ويؤكد الخبراء بأن التخلص من الآثار التدميرية للسلاح الالكتروني الكبير يستغرق زمناً طويلاً قد يصل لسنوات، ويضربون مثلاً باعتراف البنتاغون الأمريكي في أغسطس 2010 بتمكن المهاجمين من إصابة أنظمة الحاسب المركزية فيه عام 2008 فقد عطل «فيروس الكتروني» جميع أجهزة الكمبيوتر في القيادة واستغرق الامر 14 شهراً لتطهير جميع الأجهزة من تلك الإصابة .
وقد لا يضمن عزل الشبكات الداخلية في المجمعات الصناعية عن شبكة الانترنت كإجراء وقائي في حماية تلك المجمعات من الإصابة بالفيروسات الكبرى، فصحيح أن الفيروسات والدودة بشكل خاص لها المقدرة على التنقل والاستنساخ الذاتي في الشبكة الالكترونية, لكن ذلك ليس الطريقة الوحيدة التي تنتقل بها، فهي تستطيع كذلك الانتقال عن طريق قلم الذاكرة ( يو أس بي ) ويكفي أن يصل قلم ذاكرة مصاب بالفيروس ليد أحد الموظفين في المؤسسة الصناعية، ربما بدس من الأعداء ومن حيث لا يدري، وأن يشبكه الموظف في أحد حاسبات الشبكة الداخلية مهما قل شأنه لينتشر الفيروس في الشبكة ويبدأ في مهاجمة أجهزة وأنظمة التحكم الحساسة فيها، وهي الطريقة التي لجأت إليها ما يعرف بوحدة 8200 الإسرائيلية للحرب الإلكترونية طبقاً لرأي الخبير الالماني «رالف لانجر» في إيصال «ستوكسنت» إلى داخل محطة بوشهر الإيراني للطاقة النووية ربما عن طريق أحد العاملين الروس في المحطة.
والأمر لا يقتصر على إسرائيل فالإدارة الأمريكية تصنف حرب الفضاء الإلكتروني ضمن أعلى قائمة قضايا الأمن القومي الأمريكي، والكونغرس الأمريكي وافق على تخصيص 17 مليار دولار للاستعداد لمجابهة الهجمات الإلكترونية، كما أن كلا من روسيا والصين لها مساع عسكرية محمومة لمجابهة الحرب الإلكترونية التي لم تعد في عالم اليوم مقصورة على أفراد من الفتية المراهقين المزعجين، بل تتبناها دول وتخصص لها الميزانيات وتستقطب لها أحد العقول وأذكاها،
ولهذا السبب ابتكرت الولايات المتحدة في 28 سبتمبر الماضي تمريناً بعنوان «العاصفة الالكترونية الثالثة»،«العنوان يسير الى الحرب العالمية الثالثة» تخيلت من خلاله طبيعة هذه الحرب الجديدة، وما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لها ومسلحة بما يكفي لمواجهة مثل هذه الحرب في المستقبل. وضم هذا التمرين قطاعات حكومية بالإضافة الى 60 شركة خاصة من بينها مصارف وشركات كيماويات ومفاعلات نووية وشركات تقنية المعلومات. وقدمت الجهات المسؤولة سيناريو يتلخص في ان أميركا تعرضت لهجوم إلكتروني «الصدمة والخوف»، إذ شل هذا الهجوم الالكتروني 1500 هدفاً.
ويقول الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن جيمس لويس، إن الجيوش في العالم لديها الآن ترسانات كبيرة من الاسلحة الالكترونية لشن مثل هذه الحرب، وذكر خمساً من هذه الدول من بينها روسيا والصين. ويعتقد أن ثلاثة من هذه الدول لها المصلحة في شن هجوم بـ«ستاكسنت» على ايران وهي الولايات المتحدة أو اسرائيل أو بريطانيا. ويضيف لويس أن الوصول المتعمد إلى بيانات مولد الطاقة الكهربائي في ولاية ايداهو من خلال الانترنت «يوضح لنا انه من خلال بعض البيانات يستطيع الفيروس أن يجعل البنية التحتية تدمر نفسها بنفسها». ويقول «هناك مخاوف من احتمال حدوث اعمال تخريبية لمولدات الطاقة الكهربائية الاميركية».
وفي العام الماضي نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤول استخباراتي اميركي قوله ان الجواسيس الالكترونيين رصدوا مفاتيح ومغاليق قطاعات كبيرة من الطاقة الكهربائية في اميركا ونقاط الضعف فيها استعدادا للدخول إلى بياناتها الالكترونية.
ويعتقد قائد قيادة الحرب الالكترونية الاميركية التي تم افتتاحها أخيرا، الجنرال كيث الكساندر أن اميركا اصبحت عرضة للهجوم بفيروس يشبه «ستاكسنت»، وأن المسألة «مسألة وقت لا غير». وفي شهادة له أمام «الكونغرس» أكد الكساندر أن الحرب الالكترونية قد تطورت خلال الاعوام الثلاثة الماضية، موضحاً تعرض دولتين لهجومين من هذا النوع: هجوم على استونيا عام ،2007 وآخر على جورجيا عام 2008 خلال حربها مع روسيا، فقد أنحت كلتا الدولتين باللائمة على موسكو. ويقول الكساندر إن هذين الهجومين هما مجرد وسيلة لمنع هاتين الدولتين من استخدام شبكات كمبيوتر معينة، الا ان اكثر ما يخيف الكساندر هجوم مدمر لفيروس «ستاكسنت». ويفضل أن تبرم الدول معاهدات في هذا الخصوص فيما بينها على غرار معاهدات الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة.
وأكثر ما يقلق الدول في مثل هذه الحرب هو صعوبة تحديد الجهة المسؤولة عن إطلاقها. ويعتقد بعض المحللين أن اسرائيل هي الدولة الاكثر احتمالاً من غيرها في إطلاق «ستاكسنت» على ايران، حيث تشير المصادر الى ملف الفيروس الذي يطلق عليه «ميرتس» وهو «كتاب آستير» المقدس عند اليهود في اشارة الى الملكة آستير (حسب اساطير اليهود) التي أنقذت اليهود من القتل على أيدي الفرس. وتقول بعض المصادر إن الكلمة ربما تم وضعها لتضليل الجهة التي قد تتحرى هذا الشأن.
ويقول الباحث في الصراعات والتكنولوجيا في برنامج «تشاتام هاوس» العالمي في لندن، ديفي كليمينتي، إن فيروس «ستاكسنت» معقد للغاية، «ولهذا السبب لابد ان تكون هناك دولة وراءه». كما يعتقد خبراء آخرون أن «الفيروس» استخدم شفرة تقص أصلية مسروقة من شركة تايوانية، وأن مصمميه بنوا داخله تدابير أمنية لكي تحدث دمارا محدودا وليس شاملا.
وتخصص بريطانيا ,كما الولايات المتحدة, موارد ضخمة لخدمة الحرب الالكترونية. ويؤكد كليمينتي ان «الحرب الالكترونية حقيقية وقد أصبحت امرا واقعا، ويعتبر استخدام (ستاكسنت) اول سلاح مدمر في هذه الحرب».
المصدر: وكالات انباء
[center]