المصدر أونلاين - يوسف عجلان ارحل يا علي صالح.. قتلت بابا" قالتها وانفجرت باكية، فأبكت معها أغلب من
استمع لصوتها الطفولي وهي تختنق بغصة مقتل والدها على يد قناصة الرئيس
صالح.. تلك هي الطفلة عتاب البالغة من العمر 5 سنوات، التي تحدثت بهذه
الكلمات أمام حشد كبير من المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء، قبل أن تنقل
صرختها المدوية قنوات التلفزة.
الطفلة عتاب هي ابنة محمد طه المنيعي الذي سقط شهيداً في الـ18 من مارس
الماضي، كواحد من ضحايا المذبحة التي ارتكبها قناصة ينتمون لقوات الرئيس
صالح الخاصة في ما سمي بـ"جمعة الكرامة" وراح ضحيتها 52 شهيداً على الأقل.
حينما اعتلت عتاب منصة ساحة التغيير، بدأت تصرخ "ارحل يا علي صالح" وبدت
لأول وهلة متمالكة نفسها، لكنها ما أن قالت "قتلت بابا" إلا وانفجرت
بالبكاء بعدما ارتسمت أمامها صورة والدها الذي فارقها، وهي التي رأته آخر
مرة قبل نحو عامين فقد غادر محافظة إب إلى صنعاء ولم يعد إليها إلا نبأ
مقتله. طبقاً لمصادر مقربة من أسرة المنيعي.
لقد كان المشهد مؤثر لدرجة رهيبة، وكانت حشرجات الطفلة المكلومة على أبيها
تقدم صورة بلغية لحجم الجريمة التي ارتكبها نظام علي صالح بحق هؤلاء
الأبرياء دونما ذنب اقترفوه. وماذا عساه أن يقول صالح ونظامه لهذه الطفلة
البرئية؟ كما لا أدري كيف لصالح الاستمراء في التمسك بالسلطة بعدما سفك
الدماء على نحو إجرامي ليزهق أرواح ويحرم أطفالاً من بهجة الحياة ويحرمها
من حنان الأبوة.
نعم يا عتاب .. لقد قتل نظام صالح "بابا" والآلاف من أمثال "بابا" وحرمك
من رؤيته بعد حلم دام نحو عامين لملاقاة الأب الذي كان صالح نفسه سبباً في
جعله يضطر للبعد عنك وشقيقتك الصغرى دعاء بحثا عن لقمة العيش.. الأكثر دقة
إن نظام صالح قد حرمك وشقيقتك فعلياً من أباكن قبل عامين وليس في 18 مارس،
ذلك حينما غادر إب إلى العاصمة صنعاء ولم يستطع أن يوفر المال ليسمح له
بالعودة إليكن مرة أخرى.
بعدما بثت قناتي الجزيرة وسهيل لقطات مصورة للطفلة عتاب، سرعان ما تناقل
الناس ذلك المشهد عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة
لتصبح دموع عتاب عنوان صارخ في وجه القتلة، وقد أدمت قلب كل من شاهدها.
ولدموع الطفلة عتاب قصص كثيرة، فأحد المعتصمين في ساحة التغيير يتحدث عن
معاناة عاشها مع والده، وتغيرت بمجرد أن رأى تلك الطفلة، ويقول لـ"المصدر
أونلاين" كنت دائماً في مشاكل مع والدي الذي كان يرغمني على الجلوس في
البيت، وعندما شاهد مقطع الفيديو عبر قناة سهيل بكى من الألم، وطلب مني أن
لا أعود من ساحة التغيير إلا شهيداً أو منتصراً برحيل صالح".
وقد جعل هذا المشهد، العشرات يتصلون من داخل اليمن وخارجه إلى جد الطفلة
عتاب، عارضين كفالتهم للطفلة وأسرتها، فيما يتوافد الآلاف إلى الساحة
للالتقاء بأسرة المنيعي وكل منهم يبدي استعداده لتقديم يد العون لهذه
الأسرة.
يقول والد الشهيد محمد طه المنيعي لـ"المصدر أونلاين" آخر مرة التقيت
بولدي محمد كان مساء الخميس لأننا كنا معتصمين في الساحة مع بعض، وفي صباح
الجمعة بحثت عنه ولم أجده".
وأضاف: "تفاجأت عندما أخبروني التاسعة من صباح السبت بأن ولدي في ثلاجة
مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، ولم أصدق ذلك إلا بعدما رأيته، لكني
الآن بعد كل ما رأيت أشعر بالفخر لأن ولدي قدم نفسه فداءً للثورة".
محمد المنيعي الذي قتل في جمعة الكرامة ينتمي لمديرية حرد قرية الجدرة
بمحافظة إب، لم تسمح له الأوضاع المعيشية الصعبة أن يكمل تعليمه، فكان آخر
تعليم حصل عليه شهادة الصف الخامس الابتدائي.
يقول والده: "هذا النظام المستبد حرمه من التعليم، وحرمه من البقاء مع
أسرته، وهو الذي لم ير ابنته الصغيرة دعاء سوى بضعة أشهر فقط وبعدها غادر
صنعاء ولم يعد بسبب سوء الأوضاع، وبعد ذلك قتلته يد الغدر التابعة للرئيس
صالح الذي لم يرحمنا بعد أن شردنا، وقام بقتل أولادنا وفلذة أكبادنا".
تلك هي قصة أسرة أحد شهداء جمعة الكرامة التي تتشابه معها قصص أسر كثيرة،
بل ربما تزيد عن ذلك بكثير، ولكن طفلة صغيرة نطقت فاهتزت لها قلوب
اليمنيين، وربما اهتزت لها جبال عيبان ونقم، بينما الرئيس صالح لم يكف بعد
حتى عن قوله المتكرر والمبتذل إنه صامد في السلطة صمود هذه الجبال.
لقد كان صدى صرخة الطفلة عتاب مدوياً، لتطلق عتاباً ممزوجاً بالحسرة
والعار على أولئك الذين لا يزالون يفضلون الصمت، ولم يكلفوا أنفسهم تقليد
عتاب على الأقل ويصرخون في أذن صالح: ارحل.
لرؤية الطفلة عتاب وهي تطالب صالح بالرحيل: