عمار العولقيabul_ameer@yahoo.com كان آخر ما كتبه الشاب الباسم الوسيم علوي الشاهري على صفحته في الفيس بوك قبل ساعات من استشهاده ما يلي و بالحرف الواحد:
" إن الثورة ستنتصر ستنتصر..شاء من شاء..وأبى من أبى..وإن غدا لناظره لقريب.." كان ذلك ليلة الجمعة الدامية، في الصباح أغتسل الشاب البرئ الشجاع علوي و
ذهب يصلي في ساحة التغيير في صنعاء و بعد مناجاة ربه و ربما سؤاله لربه
الشهادة لقي ربه مع 52 من أرجل و أشجع و أفضل شباب اليمن و تحقق ما قاله
قبل ذلك بليلة و كان غدا لناظرة قريب.
هذا النوع من الشباب لا يعرفهم الرئيس و لا تعرفهم حاشيته. الشباب الذين
يعرفهم الرئيس هم في ميدان التحرير أما الشباب الذين لا يعرفهم فهم في
ميادين التغيير.
وقفت
بجانب منصتهم حيث الكاميرات الحكومية تنقل تسبيحهم لرئيسهم ليل نهار. دخلت
خيامهم و اقتربت منهم..افجعني ما رأيت..سلاسل و عصي بأيديهم و من عيونهم
يشع الإرتزاق..لم أصمد أكثر من دقائق بسبب الروائح الكريهة و مناظر
البلطجية و هم يبصقون كل شيء على أرض الميدان و يتبولون و يتغوطون في
الحديقة المجاورة. شباب التحرير زرتهم لكي لا تكون شهادتي فيهم مجروحة..
أما في ساحة التغيير لم يسل على أرضها سوى الدم الطاهر للشهداء و الجرحى.
رأيت في ساحة التغيير فلان الفلاني يأخذ أدوات التنظيف و يغسل الشارع غير
آبه بأحد!! رأيت في الساحة صورة لأحد الشهداء معلقة في خيمته و هو حامل
لوحة مكتوب عليها "لنحافظ على نظافة ساحتنا"
شجاعة....تضحية....إيثار...تواضع و تفاني...كلمات لطالما سمعناها و قرأنا
عنها و لكن لم نشعر بها حقيقة و نراها واقعا إلا في شباب ساحات التغيير.
أما عن الشجاعة...فلا داعي أن أخبركم فقد رأيتم و رأى العالم شبابنا و هم
يتدافعون من يسبق أخيه إلى الشهادة. كان يسقط الشهيد أو الجريح فيهرع له من
حوله من الشباب يحملونه ثم يقف آخرون مكان وقوع الشهيد بلا سلاح أو حجارة و
بصدور عارية رافعين أيديهم للسماء يرددون: الله أكبر الله أكبر. حسبنا
الله و نعم الوكيل حسبنا الله و نعم الوكيل..
أما عن التضحية..فاذكر يوم الجمعة كيف صنعت اللجان الأمنية في الساحة
حاجزا بشريا يمنع بقية المعتصمين من الذهاب الى الموت المحقق حيث تمركز
القناصة فكان الشباب يتدافعون رفضا لذلك المنع بل سمعت بعضهم يأتي بكل
الأعذار و التوسلات لكي يسمحوا لهم اللحاق بالشهداء و الجرحى.
أما عن الإيثار فتراهم يتشاركون في المأكل و المشرب و الخيام. يقولون أن
الشباب هنا أسرة واحدة يتقاسمون اللقمة و هم لا يعرفون بعضهم.
أما عن التواضع و الإخلاص فاسمعوا للأخ متعب، احد قادة الثورة و اشجع
اعضائها يقول حين غاضه سماع سؤال عن مستقبل الشباب السياسي بعد نجاح
الثورة: نحن أتينا هنا و رؤوسنا على الأكف...ما إن نسمع بهجوم على الساحة
حتى نكون الأولين..أما عني أنا فأنا سائق تاكسي و بعدما ننجح الثورة سأعود
للتاكسي من جديد..انا لم آت هنا لمصلحة شخصية و إنما للشعب كله...ثم يذكرنا
أن عليه الرجوع للحواجز لترتيب الشباب هناك و يختم بالقول لا تقتسموا جلد
النمر قبل ما تصطادوه.
وليد...مدير المنصة و خطيبها...شاب فخر التعرف عليه و متعة هي الحديث
إليه...مصمم مواقع جامعي، مبدع، ذكي، مؤدب و حكيم سألته ماذا تعمل يا وليد؟
فرد علي بصوت خافت: أنا عاطل عن العمل. لم أصدق فمواهبه تؤهله لأن يكون
مدير شركة أو ربما أكثر...لكنه بلا عمل.
شاب آخر كان من أول المصابين في يوم الجمعة..أتفاجأ حين أراه قد عاد
للمقدمة و الرصاص مازال كالسيل و هو يحمل مكبر الصوت ليلهب الحماسة في روح
الشباب. تلقى الإسعافات الأولية و عاد سريعاً. لو انه يبحث عن بطولات لكان
يكفيه إصابته..جريح الثورة..لكنه لا يبحث عن أوسمه أو ألقاب.
الشهيد عيسى الشامي...إبن وزير و زعيم حزب و قاضي و من أسرة هاشمية عريقة و
غنية...من النخبة...لكنه كان في الصفوف الأولى...لم يذهب الساحة لمنصب أو
جاه فهو يملك ذاك و لكنه ذهب لنصرة الشعب المظلوم. لم يقف عيسى بعيدا
للمشاهدة و لم يرقب ما يحصل من مكان آمن. أتى ليكون في المقدمة و استشهد و
هو في المقدمة و هو يحاول إيقاف أحد القناصة عن قتل المزيد من شباب الثورة
فآثر أن يقتل هو و يحيا الآخرون و تحيا من بعده الأمة. هؤلاء الشباب لا يبحثون عن منصب بعد الثورة..لا يبحثون عن وسام شرف أو
قلادة أو مرتب. لا يبحثون عن مبالغ ماليه و لا غداء في دار الرئاسة.
هؤلاء يا رئيس لا تعرفهم..
هؤلاء يا رئيس لم ترهم من قبل..
أنت لا تعرف غير المرتزقة و المطبلين و حملة المباخر..
هؤلاء يا رئيس هم من سيسقطك..أنت و نظامك و زبانيتك و مدرعاتك و صواريخك..
لا تعاندهم
لا تحاورهم
لا تقاتلهم
لا تبارزهم
هؤلاء يا رئيس..إيمانهم قوي..
هؤلاء يا رئيس في صدورهم شجاعة لم و لن تراها في جلسائك و مناصريك
لا تخوفهم فهم لا يخافون
لا تساوم فهم لا يقبلون التفاوض
هم سيل العرم
هم ريح عاتية
لا تراوغ
لا تستخف
لا تكابر
استسلم لهم
شيء واحد فقط ينفع معهم
"إفهمهم" و ارحل
و بعد هذا كله هم صامدون..كأن شيئا لم يكن!!
أنت مصدوم من صمودهم أليس كذلك؟! قتلتهم بالرصاص الحي في عدن و المكلا...و فجرتهم بالقنابل في تعز..و
سممتهم و خنقتهم و مزقت خيامهم و فجرت رؤوسهم و سلبتهم عيونهم و اختطفت
أبناءهم و إخوانهم و آباءهم.
بلاطجتك يقلون و هؤلاء "السوبرمان" يزيدون...هطلت عليهم الأمطار ففرحت أنت
ظنا منك أنهم سيرحلون فخرجوا يصلون و لله يتضرعون أن يسقطك. فجن جنونك و
استخدمت فيهم الدخان و البترول في المجاري و المياه الحارقة و الرصاص الحي و
المواد السامة و الكيماوي و القنص و القتل و الخطف و المصفحات و المدرعات و
العسكر و القوات الخاصة و البلاطجة و القناة الأولى والثانية و سبأ و
يمانية و غير يمانية و هم صامدون!!!
و هنيئا لك ببلاطجة التحرير
و هنيئا لنا بشباب التغيير
و استبشروا يا شباب بما قاله الشاب الحر علوي الشاهري ليلة استشهاده:
"إن الثورة ستنتصر ستنتصر...شاء من شاء..وأبى من أبى..و إن غداً لناظره لقريب.." إرحل أقولها لك من شخص يعرف هؤلاء الشباب
المصدر أونلاين