المصدر أونلاين - صادق الحميدي
"أجمل هندسة في الحياة أن تبني جسرا من الحرية على بحيرة من الظلم والقهر" كلمات مستقاة.
ساحات الحرية والتغيير استطاعت أن تبني ذلك الجسر فقد مدت أواصرها
للجماهير من خلال سمو أهدافها، وبنت مصداقيتها باستمراريتها وبتقديم
أفلاذها فداء للحرية والتقدم فاكتسبت زخما وشرعية جماهيرية حتى باتت أمل
يعلق عليها الجماهير طموحاتهم فرهنوا مستقبلهم بنجاحها.
شعبيتها شرعيتها مع مرور الوقت يزداد حجم مساحة ساحة التغيير، الأمر الواقع يفرض نفسه،
فازدياد الحضور الكمي اليومي للاعتصام بالآلاف، وتدافع عشرات الآلاف من
المتضامنين المدفوعين لحماية مناصري قضاياهم العادلة في الساحة مع كل هجوم
بلطجي مدفوع بإرادة سياسية للانتقام من المعتصمين، أرادها النظام فاشلة
وإرادة الله تأبى إلا أن تكون ناجحة بالإرادة والعزيمة الشعبية، النظام لا
يدري أن أعماله البلطجية تعيد الحياة للساحة فلا يدب فيها الفتور، إذ تنتعش
الحماسة كوقود للنجاح، بل تتزايد مكاسب الساحة من الحضور مع كل عمل إجرامي
ترتكبه حماقات النظام، وتتمدد شرعية المكاسب إلى قلب القبائل الكبرى كبكيل
وحاشد وهمدان وغيرها من القبائل التي جاءت برجالها الأشاوس انضماما للساحة
وتبني مطالب الشعب والدفاع عنها، ومساندة العملية التغييرية التي يبدو
أنها إلى الآن صعبة المخاض ولا نتمنى أن تنتهي بعملية قيصرية، ولم تقتصر
شرعية المكاسب عند هذا الحد بل امتدت إلى عقر دار الرئيس سنحان الأحرار
مسقط رأس الرئيس الذين ترابط خيامهم وسط الساحة مطالبة بإسقاطه.
تمثيل اليمن ربما حس الجميع يذهب للحضور المهيب إلى ساحة التغيير من مختلف المحافظات
لأهمية قرب موقعها من الدار مصدر القرار، ولعلمهم بمدى تأثيرها السياسي
الأكبر على إحداث التغيير، فهذه خيمة صمود أبناء عدن الوحدويين الشرفاء،
وتلك لأبناء الضالع الباسلة، وهذه للحج، وهناك أبين الأبية، جاءوا من هناك
ولم ينسوا أن يذرفوا الدموع فرحا وهم يشاهدون الحشود مجتمعة تهتف لإسقاط
النظام الذي عكر مزاج الجميع ودفع بالجنوبيين بالدعوة للانفصال، وقلوبهم
تهتف باسم الوحدة، لم ينسوا وهم يقفون يلقون كلماتهم أن يذرفوا الدموع
ويصيحوا بأعلى أصواتهم: كلنا يمنيون لا شمال ولا جنوب، فليرحل النظام الذي
فرقنا، وهناك أيضا تقف خيام أبناء تعز والحديدة ومأرب والبيضاء وإب وريمة
وحجة وصعدة والمحويت وعمران، كل هذه إلى جانب الحضور المشرف لأبناء مديريات
محافظة صنعاء.
ثورة الشقائق فيما غازات القنابل السامة والمسيلة للدموع تنبعث، تتقاطر على المعتصمين الذين يواجهون قوة الدولة
بصدور عارية داخل الساحة مئات من الأكياس المليئة بكريات البصل والمناديل
المبللة بالخل من المنازل المجاورة للساحة لمساعدتهم على التخفيف من الآثار
الكارثية للغازات، هذا إلى جانب المدد بالماء وعلو أصوات الزغاريد القادمة
من الطيقان فرحا بانتصار الثوار وفشل عصابات دولة الفساد، المرأة باتت
تدرك أهمية دور وقوفها إلى جانب الرجل ومساندتها له في إنجاح عملية ثورة
الياسمين، فها هي إلى جانب ذلك تمده بقوافل المواد الغذائية من الكيك
والخبز والكعك ما يساعد على خلق قوى تحفيزية للجماهير من خلال شعارات
الثورة التي ترسمها بأنامل حب الوطن على فطائر الخبز التي تقدمها كرسائل
عاجلة للمعتصمين: "ارحل" "الشعب يريد إسقاط لنظام"، وإلى جانب ذلك كله تقف
متكلمة في منصات التغيير وتردد الشعارات وتتحدث عن قضيتها في الفضائيات
والصحف وتذهب كطبيبة في الميدان وتدعم بالمال وعلى استعداد للتضحية بالروح.
لم تقف حدود ومساندة الثورة الحسية والمعنوية على الأدوار الرجالية
والنسائية فقط، فالأطفال لهم ثورتهم أيضا وحضورهم اللافت في الساحات، حضروا
للمشاركة بشكل يومي وفاعل، ورقصوا على إيقاع ألحان أناشيد الرحيل الحماسية
رافعين أعلام الوطن وشعارات الرحيل، نعم لقد استعدت ساحة الثورة البيضاء
بكل مقامها وجلالها لاستقبال أصحاب القلوب البيضاء يوسف حسن وولاء الوردي
وعبدالرحمن عدنان، كأصغر المعتصمين لا تتجاوز أعمارهم الستة أشهر إلى العام
الواحد قدموا يحملون بالوناتهم وأعلامهم التي سطروها بكلمات رحيل النظام،
وغيرهم من الأطفال الكثير.
معرض مفتوح أجمل ما في ساحة التغيير تحولها إلى معرض مفتوح للفنون والجنون، فالصور
المختلفة فيها والمعبرة وأنواع الرسوم الكاريكاتورية تعكس الرغبة العارمة
للجماهير في التغيير ومع اختلاف أساليب التعبير، إلا أن الهدف يصب في بوتقة
التغيير والتغيير فقط، وأبرز ما في الفنون التعبيرية معرض رسوم الفنان
كمال شرف، الذي يساهم بقوة بنشر الوعي من خلال رسوماته الكاريكاتورية
الهادفة الجميلة وغير ذلك من الرسوم الأخرى المعبرة.
أما كون الساحة معرضا للجنون فبما تحويه كمعرض ومزار يرتاده عشرات الآلاف
أو مئات الآلاف يوميا من صور ضحايا أبين وصعدة وعدن وصنعاء تعكس انتهاكات
النظام الجنونية المستمرة بحق إنسانية الإنسان وكرامته داخل الوطن، حيث
أحالت بفعل سياسة الحرق والتدمير بعض مناطق الوطن إلى أراض محروقة ومنتهكة.
حضور الشهداء والقادة الساحة كمعرض مفتوح حاولت إبراز تضحياتها بنشر صور شهدائها شهداء التغيير
ابتداء بأول شهيد عوض السريحي مرورا بعبدالله الجائفي وعرفات القباطي
وعبدالله الدحان , واحتفاءها بشهداء مجزرة جمعة الكرامة (الإنذار) 18 مارس،
إلى جانب عدد من الصور لشهداء الباسلة عدن ولا تنسى إعلان أسماء جرحاها
لتثبت مدى استبسال شبابها وشيوخها وأطفالها ونسائها وأنها مازالت قادرة على
تقديم ما هو أكبر وأكثر من ذلك في سبيل التغيير.
ولم تقف الساحة عند هذه الحدود في عروضها بل عملت على استرجاع رجال الماضي
الثوري اليمني والأممي كاستلهام ثوري لا يحده حد فعلي عبدالمغني والثائر
الحكيمي وأبو الأحرار الزبيري وأحمد النعمان صانع حركة الأحرار وعبدالرقيب
عبد الوهاب بطل حصار السبعين والرئيسان الشهيدان الحمدي وسالمين والموشكي
وعبده محمد الخلافي والفضول والجاوي وعبدالسلام مقبل وسلطان القرشي
وعبدالرقيب القرشي وعبدالله عبدالعالم، كل هؤلاء أو بعضهم كانوا وقودا
لثورة الأمس أو مرجعيات وأصبحوا اليوم فنارات يتعلم منها الشباب معنى أن
تضحي للوطن والشعب وأن تدفع فواتير أثمان الحرية تحت شعار "كلما زدنا شهيد،
يا علي اهتز عرشك" و"هاهنا بعض النجوم انطفأت لتزيد الأنجم الأخرى
اشتعالا"، جيفارا حضر هو الآخر منذ أول لحظات الحركات الشعبية في يناير
الماضي وحتى اللحظة مازال يرقب الانتصار الجلل، سبق أدباءنا وكتابنا الذين
تأخروا كثيرا عن الساحة، لم يستقوا من ملح ثوريته كأديب، ولم يسلطوا سيفه
في وجه الظلم كثائر, أو أن مشاعرهم لم تشجُ وهي تردد أغنية المقالح للرحيل.
لافتات تتحد مفاهيم العبارات التي تحملها لافتات ساحات التغيير والحرية صوب
التغيير التي تأخذ المنحى الديني حينا كوسيلة ومناحي أخرى كذلك، لكنها لا
تختلف في أسلوب وطريقة عرض رسالتها ما بين التوجيه والإرشاد "أفضل الجهاد
كلمة حق عند سلطان جائر" وبين القصيدة الشعرية العربية "لسنا الألى أيقظوها
من مراقدها ** الله أيقظها والسخط والألم"
والشعبية: " من هاهنا شعب اليمن، بالسلم فالتعبير، قد أعلن الشعب اعتصام.. وعاهدت صنعا عدن، بمبدأ التغيير وثورة إسقاط النظام"
وبين الشكوى: "أنا موظف أعاني دخل محدود وحقي منهوب خمسة منهم أكلوا حق
الجميع" وبين التظلم بشأن غياب المساواة في حقوق المواطن لكن بطريقة تدغدغ
العاطفة "لماذا يدرس خالد علي عبدالله صالح في أفضل أكاديمية عسكرية
بريطانية، ويهمل أوائل الجمهورية والشباب المتفوقين"؟ ولا تفتأ لافتات
تتحدى "قسما يا وجع الجرحى نسقطه أو يتنحى"، ومنها أخرى جادة تحث الشباب
على "ثورة من أجل الحرية والعدالة والكرامة"، الشارع أيضا تحول إلى لافتات
ينطق بما فيه من حركات تتحدى الواقع فقبل هجوم فجر السبت الدامي اختط
بالطلاء الأبيض "ارحل" أما بعد الفجر الأحمر الدامي فقد اختط بالأحجار
الملتصقة بمادة ما وطليت باللون الأحمر " stop down" "ارحل يا علي كيماوي"
في إشارة إلى استخدام عصابة علي صالح القنابل الكيماوية في مواجهة
الاعتصام، وبعد مجزرة الجمعة الأكثر بشاعة اختط المعتصمون في الشارع "ارحل
يا علي يا سفاح do not go out you must be killed ".
بالنسبة للشباب المعتصم، فإنهم قبل ارتكاب المذابح كانوا يرفعون لافتات
تدعو صالح ونظامه للرحيل المبكر, وبعد ارتكابه ومنظومته جرائم إنسانية بحق
الأبرياء فقد تغيرت لهجة الكلمات من الرحيل إلى محاكمة النظام على جرائمه
ومحاسبته على أمواله وهم مع ثورية عباراتهم لا يتورعون عن إعلان " ثورتنا
ثورة شباب لا حزبية ولا أحزاب " أما المنصة فلها دور تأثيري فاعلي في إنتاج
الزخم للساحة فبتلون الحدث تتلون لتساير موجته بما يناسب مخرجاته "الشعب
يريد إسقاط النظام" "يا للعار يا للعار سلمية تضرب بالنار" و"سلمية سلمية
ثورتنا شبابية" و"سلمية سلمية ثورتنا شبابية" ولا تنسى استضافة قادة
شبابيين ثوريين ناقمين على الفساد حد النخاع فهذه توكل كرمان تقف مع كل
حضور تشحذ همم المعتصمين وترفع من معنوياتهم ليهتف معها الجميع مرددا
الشعارات بحماس منقطع: "عهدا منا يا شهيد عن دربك لا لن نحيد" و"جيشي يا
جيش الأحرار.. لا تحمي أفراد الأسرة. احم الثورة والثوار" وتحت هتافات "حيا
بهم حيا بهم" يستقبل ثوار الساحة كل يوم مئات من الوزراء ومدراء العموم
والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين والنواب والشخصيات الاجتماعية والمشايخ
المستقيلين من مناصبهم الحكومية ومراكزهم الحزبية في الحزب الحاكم انضماما
لمطالب الثورة الشبابية وكما قال جلال فقيرة وزير الزراعة السابق رئيس
التكتل الأكاديمي للتغيير للشباب عند انضمامه لهم وإعلان استقالته وعدد
(48) أكاديمي بينهم وزير الثقافة السابق عبدالوهاب الروحاني والأمين
المساعد لمجلس الوزراء "سر وأنت البيرق ونحن من خلفك الفيلق".
ظرافة وسخرية تنوع عبارات لافتات الساحة يوحي بتمثيلها مجتمعا بكافة شرائحه وطبقاته
ومكوناته، فهي لا تخلو من اختلاف الأمزجة في التعامل مع واقع محدد الهدف،
لكن كل يحاول إيصال رسالته بطريقة مختلفة، فما بين الصرامة واللين في
المطالب يبرز طرف ثالث معبرا عن مطالبه بطرق ساخرة وظريفة فهذا يغري "من
يلقي القبض على الرئيس بجائزة مغرية" وهذا يكتب معلقا على صورة جنونية لذات
الرئيس "جنان يخارجك ولا عقل يحنبك"، أما عصام فيزف تهنئته للشاب الخلوق
علي عبدالله صالح بمناسبة تنحيه عن الرئاسة، وتتماثل في الظرافة والمعنى
اللافتة التي حملت عبارة "ولا في الخيال 33 سنة وهو فوق الحمار، ولو كان
رمزه الأسد وإلا النمر، والله ما كان نبسر أمان" مع اللافتة التي رفعها أحد
معتصمي الحرية في تعز بعد أن رسم مسبحة وعلق الآتي "هذا رئيس والا مسبحة"
ولافتة أخرى تقول: "معتصمون نيابة عن الصين والروس والربيصة والأقدوس حتى
ترحل يا منحوس" بل إن بعضاً من المعتصمين الساخرين قد وجد من قامات
الزعامات العربية المهلهلة مادة للسخرية فرسموهم بطرق فكاهية مختلفة، وهذه
الرسومات تجد طريقها للنفاد من أيدي الباعة، وكثير من العبارات لا تجد
طريقها هنا للنشر بسبب ضيق المساحة.
التثقيف مع تحول الساحة بشوارعها الممتدة إلى مسجد مفتوح تقام فيها العبادات وسوق
تجاري وازدحام الشعارات والصور المعبرة وإشراقة ملائكة الرحمة في الخيام
الطبية وهم يهبون راحتهم للسهر على إسعاد المعتصمين والمصابين، تجد النظافة
لها مكاناً في الساحة وتزدحم لافتاتها هنا وهناك "اتركني نظيفة" لحد يشبه
ازدحام منصة الساحة ببرامجها اليومية التوعوية التي لا تخلو من التثقيف
والتعليم ونشر المفاهيم وإجذاء الروح الحماسية المعنوية والتثقيف الشامل
بالحقوق والحريات المكفولة دستوريا وبالتشريعات والقوانين اليمنية المغيبة
تحت إبط سلطان الفرد لتعلن حالة من التميز مع تنوع وتجديد برامجها وليس
آخرها برنامج منتدى الثورة اليومي الذي يستمر ساعة يستضاف فيه شخصية
أكاديمية وحقوقية يسعى البرنامج للاهتمام بقضايا الثورة الشعبية اليومية
والتوعية بالحقوق.
خيمة الرئيس القادم يتوطن ساحة التغيير كثير من الأحلام التطلعية المتفائلة بمستقبل زاهر
وناهض وآمن ليس فيه مكان لحكم الفرد واستعلاء الأسرة، وفي خيمة الرئيس
الجديد كان يحدو الشاب أسامة الذاري قبل أسبوع أمل بالصعود إلى كرسي
الرئاسة كبديل لا يخلو من الوسامة والأناقة الزائدة في ظل دولة مدنية
مؤسساتية تحترم حق التداول السلمي للسلطة، كان وسام بصدد تشكيل الحكومة
داخل خيمته البسيطة، لكنه بعد أسبوع انهار وسلم الرئاسة بطريقة سلمية لأحد
زملائه فأسامة يرقد الآن في المشفى منهارا بعد استشهاد صديقه ووزيره داخل
الخيمة عيسى أحمد الشامي في يوم جمعة الكرامة على إثر المجزرة الدموية..
أمنياتنا لمشروع حلم الرئيس الشفاء ولصديقه ووزيره الجنة.
رجال الأمن "من المؤمنين رجال صدقوا" هم رجال أمن ساحة التغيير سواء من الشباب أو من
أفراد أمن الدولة، رجال وهبوا وقتهم وأرواحهم في سبيل سلامة وأمن المعتصمين
فكانوا في المقدمة أول من يضحي وآخر من يذكر يمثلون خير رمز لتضحية الجندي
المجهول العامل بصمت، لا يأبه للذكر، همه انتصار الحقيقة بعيدا عن الذات
والأثرة، فلهم الحب والإجلال والإعظام والتقدير أينما كانوا ووجدوا في أي
ساحة من ساحات الحرية والتغيير داخل المدن اليمنية.
ازدهار تجاري كون الاعتصامات سلمية وتعلن سمو هدفها السلمي وتردده هتافات
الجماهير بين كل فينة وأخرى وتطبقه واقعا، فقد كسبت ثقة الشارع والجماهير
والتجار خاصة منهم من كانوا داخلها أو بجوارها فأبقوا أبواب متاجرهم مفتوحة
إلى ساعات متأخرة من الليل، إن الحضور الجماهيري المكثف للاعتصام قد
ساعدهم كثيرا في رواج معروضاتهم فتضاعف الدخل لدى أصحاب المحال التجارية من
مكتبات وأكشاك وإكسسوارات ومطاعم وتسجيلات ومكاتب دعاية وإعلان وغيرها بما
يفوق الضعف، يقول محمد على القليصي صاحب دار الكتاب الجامعي "إنه لم يتأثر
بفعل وجود الاعتصام وعلى العكس من ذلك، فقد زاد الدخل أضعافا كثيرة" وهذا
بالطبع انطباع الجميع.
تعددت حركات الأنشطة التجارية في المحلات لتتجاوزها إلى ازدهار أنشطة
تجارة الكراتين والعربيات المتنقلة في مخيمات الاعتصام بشكل عام، فقد خلقت
الساحة فرصا جديدة للعمل لم تكن قبلا لتوجد في الدائري الغربي "الساحة
حاليا" وهي تتماشى مع حاجة المعتصمين، فهذا بائع الفشار لا تتوقف يده عن
البيع والقلي، وكذلك هو حال بائع الشاي والبليلة والبيض والخيار والزعقة
والفول السوداني والذرة الشامية والفول البلدي والعصائر والخضروات والفواكه
وسندوتش البطاطس والأعلام الوطنية وصور الكاريكاتير المعبرة والبقلاوة
وللقات حكاية أخرى تروي انتقال بائعيه من ساحة سوق القات إلى ساحة التغيير،
ولا ننسى رواج الصحف والمجلات والكتب، لقد شعر الجميع بالأمن والأمان على
ممتلكاتهم وأنفسهم، فمع تقدم وعي المجتمع بالأسلوب الحضاري للتظاهرات
والاعتصامات عجز رعاة التخريب عن اختراق شباب التغيير واختراق وعيهم، فلم
يعد يقلق أصحاب المحلات التجارية والباعة سوى البلاطجة المتمادون في
اعتداءاتهم الهستيرية على شباب ثورة التغيير، وفي تعليق لأحد المعتصمين أن
تأخير إعلان تنحي أو سقوط الرئيس بات يصب في صالح الباعة وربما هم الوحيدون
الذين لم يعودوا يرغبون في ذهاب الرئيس حتى لا تنصرف الاعتصامات.
تتنوع مناشط مخيم الثوار في ساحة التغيير بما يبعث على الشعور بالدفء
والحيوية وسط مجتمع تتكامل فيه المتطلبات اليومية لحياة الإنسان، إذ تدب
الحياة فيها بكل معانيها ببساطة، وساحة التغيير تمثل صورة وانعكاساً
حقيقياً لساحات الحرية والتغيير في بقية المدن اليمنية الأخرى.