المصدر أونلاين ـ سمية القواس نسيت تماما أنها طبيبة وأنها يجب أن تكون مسيطرة على الموقف لكنه كان أكبر
من أن تتحمله.. سماح طبيبة في ساحة التغيير وكانت كباقي المعتصمين متأهبة
للهجوم بعد كل تلك التهديدات السابقة يوم السبت قبل الماضي.
حين بدأ الهجوم فجر ذلك اليوم وبدأ والجرحى بالتوافد للمستشفى الميداني
كان الذهول سيد الموقف.. هرعت سماح لإسعاف الجرحى لكنها فاجأت الجميع
ببكائها بعد أن بدأ أحد الجرحى يوصيها ويخبرها عن اسمه وأين يسكن لإحساسه
أنه الموت.
يختلف تماماً عن الصورة التي يرسمها الكثير عن الأطباء بأن احتكاكهم
بالمرضى والألم والدم أكسبهم قوة تتحول إلى قسوة وأنهم لم يعودوا ملائكة
رحمة بل أناس يقومون بعملهم بمهنية بحتة دون أدنى إنسانية بل وأصبح البعض
يتعامل بعقلية تجارية.
ملائكة التغيير
لم تكن دموع الطبيبة وحدها ما يثبت ملائكية الأطباء في التغيير. الدكتور
فاكر أحد أطباء مستشفى الثورة الذين هرعوا إلى المستشفى الميداني لإسعاف
المرضى يقول (حضرت الساعة الخامسة فجراً فور سماعي للخبر ولأول مرة أشعر
برغبة في البكاء لهول ما رأيت لكني ضحكت عندما رأيت الكل متواجداً وكيف أن
الأطباء توافدوا حتى طلاب الامتياز دون تواصل وكيف أنه لم توقفهم أي معوقات
أياً كانت لدرجة أن أحدهم وهو الدكتور محمد الرميم دخل الميدان رغم منع
أحد الضباط له ورده على طلبه بالدخول لمعالجة المرضى بقوله: (فليموتوا)!!
من الثورة لشباب الثورة
لم يكن الألم سيد الموقف بالرغم من كل الدماء والجراح فقد كانت المواقف
الإنسانية للأطباء تتجلى وتخفف الألم فوصول ثلاث حافلات ملأى بالأطباء
والمساعدين والممرضين محملين بالمساعدات الطبية من مستشفى الثورة فور
سماعهم للخبر تشد من أزر الجميع في المستشفى الميداني وكان الدافع لذلك كما
قال الدكتور صالح عاطف هو (القسم والضمير).
ومن مستشفى الكويت أيضا لبى أطباء النداء منهم د/ بلقيس ممن تقول (حين
سمعت الخبر ذهبت من المستشفى إلى الساحة لكنهم قالوا لنا في الإدارة إن
المتظاهرين منعوهم من الدخول وإن هناك إصابات تصل إلى المستشفى وعلينا
الاعتناء بهم لكني فوجئت أن بعض الحالات من العسكر وليست خطيرة فاتصلت
بزميلة لي كانت في المستشفى الميداني ونقلت لي الصورة عن الوضع فآثرت
الذهاب أنا وزميلتي ولم نخف فقد أدينا القسم وهؤلاء جرحى وواجبنا التواجد.
متطوعون ومتبرعون
أروع ما يمكن ذكره أن الجميع يعمل هناك طوعاً دون مقابل بل إن البعض تم
تهديدهم من قبل مدرائهم في القسم بالخصم عليهم ولم يثنهم ذلك. د/ وسيم القرشي من أوائل الأطباء المتواجدين في الساحة يشيد بجهد الطاقم
الطبي في المستشفى الميداني (أن الكثير لا ينامون جيداً ويعملون بشكل
متواصل بل إنهم يقدمون الأموال لشراء أدوات طبية دون الانتظار لتبرعات).
أطباء ينالهم من الضرب جانب
لم تستثن ملائكة الرحمة من العذاب الذي صبته عليهم تلك الأيادي الآثمة ففي
فجر يوم السبت داست مصفحة الخيمة الطبية المتواجدة في أحد المداخل واعتدوا
بالضرب على الطاقم الطبي المتواجد فيها وتم تدمير ونهب سبعة عشر حقيبة
إسعافات أولية. ما أدهشني هي طريقة شرح الطاقم للحدث بعد أن سألتهم؟ كانوا مبتسمين وكأنه
لم يحدث شيء، كان أحدهم يشير لزميله أنه الأكثر ضرباً وذلك بعد أن تعرض
لاعتدائين فيرد عليه الأخر إنهم يجب يكونوا متساوين ويضحك الجميع.
كل تلك المواقف تبعث الأمل أن أول ثمار التغيير عودة ملائكة الرحمة وبكل
معاني الإنسانية والعظمة من تلك الساحة المشرقة النابضة بالخير، بل وحتى
التضحية.
أكبرت كثيراً حديث مجموعة من المتطوعات في اللجنة الطبية والطبيبة المشرفة
عليهن تملي عليهن التعليمات وتختم بكل ثقة وتضحية وثبات: (إذا حدث أي هجوم
على الخيمة اهربوا بسرعة ولا تأخذوا أي شيء)، وبكل سكينة يستمعن إليها ولا
ترى في أعينهن أي خوف أو تردد.