عصام شمس الدين .
♣ آنضآمڪْ » : 15/10/2010 ♣ مشآرٍڪْآتِڪْ » : 400
| موضوع: تقرير: الرئيس صالح في مواجهة الخيارات الصعبة في اليمن السبت مارس 19, 2011 6:08 pm | |
|
يواجه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ توليه مقاليد الحكم في اليمن في منتصف يوليو من العام ،1978 ظروف أزمة سياسية استثنائية مغايرة لطبيعة الأزمات التي تخللت سنوات حكمه الممتد لما يقدر ب 33 عاماً فرضتها تداعيات ما يمكن وصفه ب “المد الثوري” الناجم عن المتغيرات السياسية العاصفة التي اجتاحت كلاً من تونس ومصر، وأفضت إلى إسقاط اثنين من أقدم الأنظمة السياسية التقليدية في المنطقة بثورة شعبية سلمية، مثل الشباب نواتها .
الرئيس صالح البالغ من العمر 72 عاماً والأقدم علاقة بالسلطة بين الزعماء العرب بعد الزعيم الليبي معمر القذافي برصيد رئاسي 33 عاماً وبفارق تسع سنوات عن الأخير، بدا أكثر قلقاً وتوجساً من احتمالات تكرار سيناريو الثورة الشعبية في بلاده على الطريقتين التونسية والمصرية، بخاصة أن توقيت حدوث المتغيرات السياسية الطارئة في المنطقة تزامن مع حالة غير مسبوقة من الاحتقان السياسي الداخلي الناجم عن تعثر مساعي الحوار مع أحزاب المعارضة الرئيسة في البلاد واتجاه الأخيرة إلى الشارع وتصعيد لافت لتهديدات وهجمات تنظيم القاعدة وأنشطة ما يسمى قوى الحراك الجنوبي المطالبة بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، وهو ما قد يمثل أرضية صلبة ينطلق من خلالها خصوم النظام لتطويق الفرص المتاحة أمام الرئيس وحكومته لتجنب التوجسات الرئاسية اليمنية من التداعيات الإضافية المحتملة الناجمة عن انتقال عدوى الثورة الشعبية إلى اليمن، التي دفعت صالح إلى المسارعة بتدشين تحركات وتدابير سياسية وأمنية واقتصادية مضادة استهدفت وفق ترتيب الأولويات التي حددها الرئيس ذاته تحييد أحزاب المعارضة الرئيسية المنضوية في إطار ما يسمى تكتل أحزاب اللقاء المشترك عن التدخل كطرف مؤثر في المواجهة الوشيكة بين النظام والشارع من خلال تقديم تنازلات سياسية اضطرارية تلبي سقف مطالب أحزاب التحالف السياسي المعارض من قبيل تأجيل إجراء الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في ال 27 من ابريل ( نيسان ) القادم إلى أجل غير مسمى وتجميد تعديلات دستورية كانت على وشك الإقرار النهائي من قبل البرلمان تتيح للرئيس حق التمديد لولايتين رئاسيتين بعد انتهاء ولايته الأخيرة في العام ،2013 قبل أن يقدم مبادرة جديدة تتضمن إعداد دستور جديد والانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني وتشكيل حكومة وحدة وطنية .
وتضمنت أولويات التدابير الرئاسية المضادة لمواجهة تداعيات المد الثوري القادم التحرك باتجاه :
-
ضمان استمالة قبائل المناطق المحيطة بالعاصمة السياسية للبلاد لمؤازرة النظام في حال اتساع نطاق المظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير السياسي على غرار ما حدث في تونس ومصر لتشمل مدناً إضافية وتطور مسارها باتجاه الزحف الكبير إلى العاصمة صنعاء .
-
إلى جانب تشديد الإجراءات الأمنية في المدن الرئيسة، بما يسهل تشتيت حشود المتظاهرين وتوظيف مجاميع أمنية إضافية، وأخرى موالية، لشن هجمات استباقية ومتزامنة تحول دون تقدم المسيرات الشبابية المناهضة للرئيس والنظام إلى مواقع متقدمة ومكتظة داخل العاصمة والمدن الرئيسة كتعز وعدن وحضرموت وإب والحديدة، الذي ضاعف احتمالات انضمام كتل بشرية محايدة إليها وتحولها إلى اعتصامات شعبية حاشدة يصعب تشتيتها أو تفريقها .
التدابير الرئاسية لمواجهة الفعاليات الشبابية والشعبية المتصاعدة المناهضة لاستمرار النظام القائم في الحكم، والتي ترافقت مع إجراءات وقائية أخرى ذات طابع اقتصادي من قبيل إقرار زيادة محدودة في مرتبات الموظفين بنسبة 10% وخفض الضرائب المقتطعة من مرتباتهم إلى النصف واعتماد صرف إعانات مالية شهرية منتظمة ل 500 ألف أسرة فقيرة إضافية إلى شبكة الضمان الاجتماعي، لم تحل دون ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين المتزايدة أعدادهم مع مرور كل يوم لتصل في حدها الأدنى إلى المطالبة بالإقالة الفورية لنجلي الرئيس أحمد وخالد وأقاربه وأصهاره من مناصبهم القيادية العسكرية والحكومية الرفيعة، وفي حدها الأقصى إلى المطالبة برحيل الرئيس صالح ذاته طوعياً والتنحي نهائياً عن الحكم، وهو ما يمثل طرفي معادلة صعبة من شأنها، في حال اشتداد الضغوط الشعبية الثورية، أن تضع صالح في مواجهة مخاوفه الكامنة بالتأرجح بين خيارين لا ثالث لهما، إما الدخول في مواجهة مبكرة مع أركان نظام حكمه من مراكز القوي العائلية المؤثرة في الجيش ومفاصل الدولة الحيوية بإقصائهم للتخفيف من “الغضبة الشعبية” أو المقامرة بمصيره السياسي في مواجهة الطوفان الوشيك .
التحديات الصعبة
كانت وتيرة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغيير النظام السياسي القائم قد تصاعدت لتشمل مدناً يمنية إضافية بعد عدن وتعز والعاصمة صنعاء مثل الحديدة وصعدة ومأرب والجوف وريمة، بعد أن كانت محصورة في مناطق محددة داخل العاصمة صنعاء وعدن والضالع ولحج .
وجاء اتساع خارطة الفعاليات الشعبية المناهضة للنظام السياسي القائم والمطالبة برحيل الرئيس علي عبدالله صالح لتتزامن، وبشكل لافت، مع ارتفاع سقف المطالب الحقوقية التي عبر عنها العديد من الاعتصامات النقابية والمهنية المتزامنة المنفذة من قبل نقابات المعلمين والصحفيين والأطباء والمحامين وعمال مصنع الغزل والنسيج بصنعاء وشركة الأدوية الوطنية وموظفي وعمال ميناء الحاويات بعدن، إلى جانب الفعاليات الاعتصامية المفتوحة لنواب في البرلمان اليمني وقضاة محاكم ابتدائية وحقوقيين وأهالي معتقلين سياسيين وإعلاميين في إذاعتي صنعاء وعدن والفضائية اليمنية .
واعتبر الناشط الحقوقي عبدالكريم احمد الحوشبي أن التزامن اللافت لتنفيذ الاعتصامات النقابية والمهنية والعمالية بالتزامن مع تصاعد وتيرة ونطاق الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام السياسي القائم يمثل إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التعاطي الشعبي مع القضايا ذات الطابع الحقوقي والمطلبي، ويقول إن “الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة نتيجة الثورات الشعبية التي أسقطت نظامين من أعتى الأنظمة العربية أوجدت فرصاً حقيقية ومحفزة ليس لرفع الأصوات المطالبة بالحقوق المنتقصة فقط، ولكن لانتزاع هذه الحقوق من القيادات والحكومات العربية، وما يحدث حالياً في اليمن من تصاعد وتيرة الاعتصامات في توقيت مواكب للاحتجاجات والمظاهرات المطالبة برحيل الرئيس ليست مبادرات انتهازية للظرف السياسي الطارئ بقدر ما هو تعبير عن انتهاء زمن الكبت والتخاذل عن المطالبة بالحقوق المنتقصة بانتهاء الخوف والتوجس من مواجهة الحاكم وهي روح جديدة جلبتها لليمن رياح التغيير التي تجتاح المنطقة حالياً” .
من جهته، عبر الأكاديمي اليمني المتخصص في علم الاجتماع السياسي الدكتور محمد سلام الجناحي عن وجهة نظر مغايرة حيال توصيف المتغيرات الطارئة على واجهة المشهد الشعبي في اليمن إزاء التعاطي مع القضايا المطلبية ذات الطابع الحقوقي والسياسي، بما في ذلك تصاعد الفعاليات الشعبية المطالبة برحيل الرئيس بالقول إن “ما يحدث في اليمن على وجه الخصوص من مظاهر تصعيد لموجات الاحتجاج الشعبي والاعتصامات المطلبية ذات الطابع الحقوقي لا يعبر في اعتقادي عن حالة من الوعي الحقوقي الطارئ لدى الشارع العام أو النخب المجتمعية والسياسية بقدر ما تجسد حالة من الاستقراء الشعبي على النظام الحاكم استناداً إلى ظروف الزخم الثوري السائد حالياً في المنطقة العربية” .
ويشير إلى أن هناك انتهازية تقفز فوق سقف المطالب الحقوقية المعقولة والمقبولة إلى محاولة فرض خيارات محددة على الحكومة والقيادة السياسية اليمنية استغلالاً للظرف السياسي الطارئ الذي تمر بها اليمن نتيجة تداعيات التغيير السياسي الذي حدث في تونس ومصر .
الباحث السياسي الدكتور عوض عبد الرحمن بانافع اعتبر، من ناحيته، أن أحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد برفضها لمبادرة الرئيس علي عبدالله صالح التي تضمنت تقديم تنازلات تتواءم وسقف مطالبها السابقة للأحداث في المنطقة اتجهت إلى اعتماد خيار الاحتكام إلى الشارع لتصفية حسابها المتراكم مع الرئيس صالح وحزبه الحاكم، وهو ما يمثل جنوحاً صوب ممارسة سلوك “الاستقواء” على الآخر والتعاطي مع الظرف السياسي الطارئ بنوع من الانتهازية السياسية المجردة عن المبادئ .
وقال: “بالنظر إلى المعطيات السياسية الراهنة على الساحة وتحديداً على صعيد الأزمة بين الرئيس وأحزاب المعارضة الرئيسة في البلاد، يمكن القطع بأن ثمة قراراً استراتيجياً غير معلن اتخذته أحزاب المعارضة وعبرت عنه بتحريضها لقواعدها الشعبية بالانضمام للمظاهرات والاعتصامات الشعبية المطالبة برحيل صالح وطي صفحة الحوار مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ورئيسه، رغم التنازلات المؤثرة التي قدمها الرئيس، هذا القرار يتضمن التوافق بين الأحزاب المتحالفة في تكتل “المشترك” المعارض على إنهاء حكم الرئيس علي عبدالله صالح قبل انتهاء فترة ولايته الثانية في العام ،2013 وهو ما يمثل من وجهة نظري ممارسة صارخة لنوع من الانتهازية السياسية المجردة عن المبادئ كون تفويت فرصة الحوار والتسوية السلمية للازمة السياسية وللاحتقان الراهن في البلد لمجرد استثمار ضعف الآخر نتيجة متغيرات خارجية يعد خروجاً غير لائق عن سياق اللعبة السياسية المفترضة” .
فداحة كلفة التغيير
استشعار فداحة الكلفة السياسية المحتملة ووطأة الاستحقاقات التي أفرزتها تداعيات المتغيرات السياسية العاصفة التي تجتاح المنطقة على اليمن، وأودت بمصير أقدم الأنظمة السياسية العربية، فرض حزمة من التدابير الاضطرارية والدفاعية التي اختزل بها الرئيس علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر الحاكم مشهد التغير الدراماتيكي الطارئ في معادلة الأزمة السياسية المحتدمة في البلاد نتيجة الزلزال السياسي الذي يجتاح المنطقة ليتحول الاحتكام إلى الشارع العامة أشبه برهان حاسم بين طرفين تخلياً عن القواعد التقليدية للنزالات السياسية ليخوضا معركة مصير .
ويقول مؤلف كتاب “اليمن . . تعقيدات المشهد السياسي” الدكتور أحمد عبدالعزيز باسردة إن “رياح التغيير التي تجتاح المنطقة منذ أسابيع وتسببت في اقتلاع أنظمة عربية هي الأقدم في المنطقة بفعل الثورة الشعبية السلمية فرضت على طرفي الأزمة السياسية في اليمن التخلي بدءاً بأحزاب المعارضة الرئيسية ثم الرئيس وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، عن فكرة تسوية الخلافات السياسية عبر الجلوس على طاولة حوار والاحتكام إلى الشارع، وتراجع أحزاب المشترك عن مبدأ الحوار بعد إظهار الموافقة إثر إعلان الرئيس علي عبدالله صالح لمبادرته قبل الأخيرة بتقديم تنازلات تلبي سقف مطالب المعارضة، وإيثار هذه الأحزاب النزول إلى الشارع، دفعا الرئيس وحزبه الحاكم إلى المسارعة إلى اتخاذ إجراء مماثل” . بمعنى أدق لقد قرر الجانبان، وفقاً لرؤيتهما، إزاء مغانم ومخاطر الظرف السياسي القائم في المنطقة نتيجة الثورات الشعبية العربية المتلاحقة وتتابع إسقاط الأنظمة السياسية أن الاحتكام للشارع لم يعد مجرد خيار سياسي متاح، بل أصبح أشبه برهان أخير وحاسم لكسب معركة مصير . | |
|