المصدر أونلاين - محمد الجماعي
مئات القصص والحكايات تتوارى خلف كل حادثة يتعرض لها المعتصمون في ساحات
التغيير منها ما هو بطولي و"خرافي" ومنها ما يثير الشفقة على نظام متهالك
ما زال يتعامل مع الشعب الثائر بذات العقلية والأدوات التي استخدمها قبله
نظام بن علي ونظام مبارك، ومن ذلك مثلا ما حصل لبعض الناشطين الذين وقعوا
في أيدي البلاطجة ورجال الأمن أثناء وعقب الغارة الغاشمة على المعتصمين
العزل بساحة التغيير فجر السبت الماضي.
كغيره من اليمنيين المطالبين بإسقاط النظام، سقط (خالد قدام) متأثرا
بغازات القنابل فجر السبت الماضي. وفي الشارع الموصل بين شارعي الدائري
والزراعة اعترضه عدد من البلاطجة ، لينهالوا عليه ضربا بالعصي والهراوات
الغليظة.
خرج خالد قدام (32 عاما) مثل مئات الآلاف من الزاحفين إلى ساحات التغيير،
باحثين عن وطن يتسع لأحلامهم وطموحاتهم، متخذين من الوسائل السلمية ورودا
يفرشون بها طريقهم نحو التغيير.
وأمام هذه الحشود وجد خالد نفسه، كغيره من الثوار السلميين، في مواجهة صلف
وبلطجة سلطة كشفت عن أسوأ ما فيها. فحين لمح أفرادا من الأمن يهرعون نحوه
أثناء استفراد البلاطجة به، تهلل فرحاً رغم الآلام والأوجاع، وهو الذي هتف
طيلة أيام اعتصامه: «احنا والشرطة والجيش يجمعنا رغيف العيش». فإذا به
يفاجأ بعشر هراوات أخرى –كما يقول- تزيد الطين بلة، ليصبح هدفاً مشتركاً
بين الأمن والبلاطجة، رداً على استهدافه تغيير رأس النظام.
ولما عرفوا أنه لم يمت، كما يقول، لم يكتف الجنود بضربه ورش غاز غير معروف
على جسده للتأكد بأنه مات، بل سحبوه عدة أمتار، ويفيد خالد أنه لم يسلم من
الموت إلا بكفالة أحد البلاطجة حين قال للجنود: هذا واحد منا، كشاهد ساقته
الأقدار لإنقاذه ومن ثم استئناف قرار إسعافه بعد أن كانوا قد رموا به إلى
الشارع حتى لا يموت «صاحبهم».
على بعد أمتار من موقعته اشترك خالد في القصة مع آخر هو علي السواري (22
عاما) الذي كان مختبئا وراء حاجز خشبي في الشارع، والذي يتكرر معه ما حدث
لصاحبه.
بعد تعرض السواري للضرب بالهراوات التي لا تضرب إلا في الرأس، ورشه من
الاسطوانة ذاتها التي رشوا بها زميله، حمله الجنود إلى سيارتهم مع خالد
وأربعة آخرين بتهمة شرب الخمر!
وضعوا داخل سيارة الأمن وأخذوا باتجاه أحد أقسام الشرطة واستمر ضرب
السواري بشكل مبرح كما شهد بذلك خالد أيضا، غير أن القسم المذكور لم يقبل
بسجن السواري كونه جريح والدماء تملأ ثيابه، الأمر الذي جعلهم يذهبون به
إلى قسم شرطة آخر في الحصبة. أما خالد فقد نقل إلى مستشفى الشرطة.
روى خالد قدام لـ"المصدر أونلاين" أخبارا سيئة عن تعامل مستشفى الشرطة ،
ولا ندري لماذا مستشفى الشرطة تحديدا.. وعن إهانته والتحقيق معه بوحشية من
الجميع: الضباط، البلاطجة الجرحى الذين عرفوا فيما بعد أنه ليس واحدا منهم،
الأطباء ما عدا الأجانب. يقول خالد: "قامت الممرضة الأجنبية بمجارحة رأسي
بسرعة حتى لا يراها المحققون". ويقول أيضا: "ربطوا يدي اليسرى المكسورة
التي كنت أدافع بها عن رأسي، وجبسوها بسرعة حتى بدون أن يرجعوا العظم إلى
موضع الكسر".. "كان المحققون يصيحون في وجهي حين أجلس على الكرسي ويقولون
لي: هيا قم، عادك تشتي كرسي" ويختتم بأنه عومل كأسير حرب ولكن بدون أخلاق
الأعداء.
مع كل هذه الأوصاف لم ينسَ خالد أن يبحث عن طريقة للهرب من المستشفى، حتى
عثر بطريقته على رقم التحويلة ليتصل عبر شبكة المستشفى لأقاربه ومعارفه
الذين اتصلوا بكثافة إلى المستشفى لتحذيرهم من عواقب احتجازه ليغادر بعدها
سريعاً.
من جهته، تحدث السواري عن سوء معاملة لقيها في قسم الشرطة الذي احتجزه حتى
الثالثة عصرا، وعن مستشفى الشرطة الذي أحس في داخله بنوع من الأمان مع
الأطباء الأجانب وبعض اليمنيين. وكان مما ورد في التحقيق هو سؤالهم عن
القنوات التي يشاهدها، ومن الذي دفع به من العلماء، ومن الذي يستمع إليهم
ويتأثر بهم، وأشياء أخرى كالاتصال بشيخ سوار في بني مطر الذي قال للضباط
بعد أن اتصلوا به: "وانا ما دخلي.. خلوه يطير شدخ". والأعجب من ذلك أنهم
ذهبوا به إلى حارته في مذبح وسلموه إلى صاحب بقالة في الحارة وأخذوا منه
استلاما به!
لقد اكتشف خالد قدام –كما يقول- أن البلاطجة ليسوا سوى جنود لقمع
المتظاهرين تحت مسمى أصحاب الحارات، وذلك حين سمع الضباط يبلغون بعدد
الجرحى في المستشفى "عددهم يافندم 43 جندي وأربعة متظاهرين".
ما هو أعجب من ذلك أن اجتماعي بهم كان في ساحة التغيير حيث الوطن البديل،
وتحديدا في المستشفى الميداني- قسم الرقود، حيث عادوا بشوق ولهفة لمواصلة
نضالهم ولتلقي العلاج في مسشفاهم حيث يأمنون ويطمئنون، ويحسون بانتمائه
إليهم. وقد وصفوه بالمستشفى الأفضل في العالم من حيث التعامل الراقي
والإدارة والخبرة المتميزة والاهتمام الصادق لولا قلة الإمكانات بحسب لعلي
السواري.
الصورة من اليمين: علي السواري وخالد قدام.