معادلة القوة والضعف في ثورة اليمنالمصدر أونلاين ـ الجزيرة نت 1 يواجه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إعصارا شعبياً جازفاً هو الأعنف
منذ توليه السلطة يوم 17 يوليو/ تموز 1978. ويبدو أن صالح، الذي تمكن من
إخماد انقلاب "الناصريين" في أكتوبر/ تشرين الأول 1979، وخرج منتصراً من
عدة حروب طاحنة، يبدو عاجزاً عن إيقاف هذا المد الشعبي المتعاظم الذي بات
يستهدف نظامه من الجذور.
في كل حروبه السابقة، كان الرئيس اليمني يكافح خصومه معززاً بتأييد
القبيلة والجيش وعلماء الدين وتيار الإخوان المسلمين، معتمداً على عدد من
أقاربه القادة العسكريين الشجعان، أما اليوم فإن حاكم اليمن الأطول بعد
الثورة، يتلفت يميناً وشمالاً وقد انفض من حوله كل هذا الحشد.
فالقبيلة والحزب لم تعد تحت تصرفه، والعلماء الذين ظهر معهم قبل أسبوع، انقلبوا يفتون بحرمة الاعتداء على المحتجين ويحذرون صالح.
"كل شيء تغير في اليمن" قالها أحد الضباط المتقاعدين، وهو يتابع عبر شريط
الأخبار انضمام أعداد كبيرة من شيوخ القبائل إلى ساحة التغيير بالعاصمة
صنعاء. ويضيف العميد متقاعد أحمد الأبارة "الرئيس صالح لا يزال يفكر بذهنية قديمة في حين تغيرت قواعد اللعبة، تغير كل شيء".
وأخذ يعدد ملامح التغيير "القبيلة تخلت عن السلاح والتحقت بثورة الشباب،
حلفاء الرئيس وخصومه القدماء اليوم في جبهة واحده ضده، أعلام الانفصال في
الجنوب اختفت، لترتفع أعلام اليمن الواحد، والاستقالات الجماعية من حزب
المؤتمر الشعبي العام تتوالى".
ويتساءل الأبارة الذي قدم استقالته هو الآخر من الحزب الحاكم "ما الذي تبقى إذن؟ ويجيب بكلمة واحدة: أن يرحل".
يظهر الرئيس صالح هذه الأيام في التلفزيون الرسمي في اجتماعات شبه يومية
أو في لقاءات متكررة مع من تبقى من شيوخ قبيلتي حاشد وبكيل، مما يفصح على
أن الرجل بالفعل لم يفهم القصة بعد إنه أمام زخم ثوري غير مسبوق يجعل
الحاجة إلى مجاميع المقاتلين ضربا من الوهم.
عجز
لقد عجزت قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي مسنودة بوحدات من مكافحة
الإرهاب والوحدات الخاصة، السبت الفائت، عن أن تجبر الشباب المحتج للتراجع
إلى الوراء شبراً واحداً. ولم يستطع من يطلق عليهم "البلطجية" إيقاف زحف الخيام.. ولأن الأزمة في
اليمن تأخذ اتجاهات جديدة ، فإنه وعلى إثر كل هجمة مسلحة على المحتجين يخسر
الرئيس دفعة جديدة من الحلفاء وقيادات حزبه (المؤتمر الشعبي العام).
فقد بلغ عدد أعضاء البرلمان المستقيلين من الحزب الحاكم عشرين نائباً بسبب
الاعتداءات المتكررة على الشباب المحتج. كما استقال 80% من أعضاء المجالس
المحلية في محافظة عدن من مناصبهم الحزبية بعد أحداث عنف نفذتها وحدات من
الجيش والأمن منذ بداية الاحتجاجات يوم 25 فبراير/ شباط.
وكان الرئيس أصدر قرارات جمهورية بإقالة عدد من المحافظين (عدن، الحديدة،
الجوف، حضرموت، أبين، لحج) اتضحت دوافعها مؤخراً؛ وهي رفضهم قمع المحتجين.
وأمس صدر قرار جمهوري بتعيين وزير جديد للأوقاف والإرشاد بديلاً عن القاضي
حمود الهتار، الذي قدم استقالته للرئيس ونائبه بعد أن تباطأ الهتار في
استنهاض علماء اليمن وتجييشهم لصف الرئيس. وتفيد المعلومات بأن الهتار "نصح
الرئيس بألا يعتدي على الشباب المحتجين" فأغضبه.
انضمام قبلي
على المستوى القبلي، أعلنت ثلاثة مكونات قبلية مهمة وقوفها الداعم لثورة
الشباب، فإلى قبيلة حاشد التي يتزعمها آل الأحمر أولاد الراحل الشيخ عبد
الله بن حسين الأحمر، وصل الشيخ أمين العكيمي رئيس مؤتمر قبائل بكيل إلى
ساحة التغيير بصنعاء رفقة عدد من مشايخ الجوف ليوجه خطاباً ارتجالياً إلى
المحتجين ويعلن رسمياً من قلب ساحة التغيير تأييد "بكيل" لثورة الشباب. وكان تحالف قبائل مأرب والجوف، وهو مكون قبلي يضم عدداً من مشايخ المنطقة
الشرقية، أعلن موقفه مبكراً وطالب صالح بالرحيل، ووجه تحذيراً شديد اللهجة
إلى النظام في حال استمر في اعتداءاته على المحتجين بعدن وصنعاء.
وانطوت عبارات التحذير على إيحاءات تهديدية لقطع إمدادات الغاز والكهرباء
عندما أشار هؤلاء في بيانهم إلى أن "النظام يعرف جيداً الرد المناسب من قبل
مأرب والجوف في حال لم يوقف استخدام البلطجية".
وقد اجتمع صالح يوم الاثنين الفائت بعدد من مشايخ حاشد وخولان في دار
الرئاسة، ولا يزال يكثف من لقاءاته شبه اليومية بمشايخ القبائل المحيطة
بصنعاء، غير أن مراقبين وعارفين بذهنية الرئيس يقطعون بعدم جدوى هذه
اللقاءات، إذ أن صالح "يهدف من خلال هذه اللقاءات إلى إيصال رسالة مفادها
أنه لا يزال يحظى بتأييد القبائل".
وقد دعا الرئيس مطلع الأسبوع الماضي، وجهاء ومشايخ اليمن إلى عقد مؤتمر وطني عام في صنعاء لتدارس الأزمة.
والخميس الفائت كان صالح على موعد مع هذا المؤتمر داخل ملعب الثورة الذي
اكتظ بقرابة أربعين ألف مشارك، لكن ذلك الحشد الجماهيري لم يريح نفسية
الرئيس، إذ غابت عن الصف الأول نوعية الوجوه التي كان يقصدها الرجل،
فالمشايخ الكبار والوجاهات الوطنية المعدودة والفاعلة لم تظهر إلى جانب
الرئيس.
وتقول مصادر موثوقة إن بعض شيوخ القبائل من ذوي الوزن والكلمة، لم تلب
دعوة الرئيس التي وجهها إليهم، وبالذات مشايخ شبوة وحضرموت والبيضاء ومأرب
وصعدة وخولان، كما لم يظهر بالصورة إلى جانب صالح كبير مشايخ بكيل الشيخ
ناجي بن عبد العزيز الشايف.
وعلى خلاف ما كان مقرراً لم يستمر ذلك المؤتمر سوى ساعتين، في حين ضمن
برنامجه الزمني يومين، وكانت الضربة الأقوى عندما تناقلت وسائل الإعلام عن
مجاميع ممن حضر وهي تهتف بشعار ساحة التغيير "الشعب يريد إسقاط النظام"
بسبب عدم صرف مستحقات بدلات السفر لمشاركي بعض المحافظات، وفي مساء اليوم
نفسه قدم عشرات من أعضاء المجالس المحلية بمحافظة البيضاء استقالاتهم من
الحزب الحاكم وأعلنوا تأييدهم لمطالب الشباب.
هذا الحشد الذي شاهده الرئيس في ملعب الثورة بصنعاء، وتبدد بعد ساعات،
يتوقع كثيرون أنه أقصى ما يستطيع حزب المؤتمر أن يقوم به، إذا ما قورن
بالحشود الضخمة التي تتدفق على الشوارع والميادين العامة، كل جمعة على
امتداد خريطة المدن اليمنية.
في بداية الاحتجاجات، وحتى بعيد ثورتي تونس ومصر مباشرة، قبل أن تظهر
احتجاجات المطالبة برحيل صالح، كان الرئيس يوجه كلاماً تحذيرياً إلى
المعارضة يومياً، لكن مع مرور الوقت، وخصوصاً بعد اتهامه لإسرائيل
والولايات المتحدة بدعم الحركات الاحتجاجية بالوطن العربي، قلل صالح من
الكلام وأقلع عن الخطابات الارتجالية. فقد ظهر في آخر خطاب جماهيري وهو
يلقي كلمة مكتوبة ولم يخرج عنها.
وسواءً ارتجل الرئيس أو قرأ من الورق، فما الذي يمكن أن يقوله لاسترجاع
الوضع إلى ما كان عليه قبل 24 فبراير/ شباط الماضي ؟! فشباب ائتلاف التغيير
يقطع بأن هذا مستحيل خصوصاً بعد الهجمات الدموية الأخيرة.
2 يقول أحد حلفاء الرئيس صالح، الذي لا يزال إلى جواره رغم اعترافه بزخم
وقوة الشارع "لا تزال معنويات الرئيس جيدة". لكن الرجل الذي فضل عدم ذكر
اسمه لم يخف قلقاً يحتدم بداخل الرئيس تجاه مسألة واحدة، وهي ضمانات الدعم
من مؤسسة الجيش القديمة ولاسيما الفرقة الأولى مدرع.
بعد حرب صيف 94، عمد الرئيس علي عبد الله صالح إلى إجراء بعض الإصلاحات
الهيكلية في مؤسسة الجيش والأمن، فأدخل بعض الإصلاحات الإدارية والفنية على
مؤسسة الحرس الجمهوري، والتي كان يقودها أحد أقاربه، فعمد إلى التسليح
الجيد واستعان بخبراء أجانب لبناء جيش جديد وحديث يقوم على عقيدة الولاء
الكامل له.
وأوكل إلى نجله الأكبر العميد أحمد مهمة قيادة الحرس الجمهوري، وهي خطوة مستفزة لكثير من القيادات العسكرية القديمة.
ومهمة من هذا النوع، أسندت إلى نجل الرئيس الطامح لخلافة أبيه، اقتضت
التأسيس من جديد لمؤسسة عسكرية حديثة تختلف عن الجيش القديم وتتفوق عليه
لكنها في المقابل أسست لانقسامات داخل الضباط والجنود القدامى أخذت تتوسع
مع مرور الوقت.
تهميش القدامى
أمام مؤسسة عسكرية حديثة وقوية ومتواكبة مع جديد التسلح يقودها أبناء
الرئيس وتحظى بالدعم، أصبح أقرباء الرئيس وزملاؤه القدامى من القادة
العسكريين، يشعرون بالتهميش، شأنهم شأن مؤسسة الجيش القديمة التي طالها
الإهمال والترهل، وخصوصاً أنها خاضت ست حروب ضارية في صعدة، اتفق كثيرون
على أنها غامضة. أسند الرئيس السنوات العشر الأخيرة إلى أبنائه وأبناء شقيقه مهمة الإشراف
والقيادة لمختلف الوحدات العسكرية التي استحدثت مؤخراً، في حين ظل أقرباؤه
من القادة والجنرالات القدامى (أخوته الآخرون وبنو عمومته) ممسكين بتلابيب
المؤسسة القديمة.
وإذا مات أو عزل بعضهم، ظل عدد قليل من هؤلاء على رأس مناطق عسكرية تضم
عدداً من الألوية والوحدات المهمة كقائد المنطقة الشمالية الغربية والفرقة
الأولى مدرع اللواء علي محسن الأحمر، وقائد المنطقة الشرقية والجنوبية
اللواء أحمد علي محسن، وقائد محور "العند" اللواء الركن عبد اللاه القاضي
الذي رفض مؤخراً أن يواجه الاحتجاجات في لحج وتعز فأقيل على الفور.
قيادة عائلية
يعتمد الرئيس اليوم بشكل كامل في مهماته الدفاعية التي باتت تهدد حكمه على
المؤسسة العسكرية الجديدة التي أوكل قيادتها إلى عدد من الأبناء، وهي
كالتالي: الحرس الجمهوري، الذي يتألف من عدد من الأولوية ويتوزع في المنطقة الوسطى،
ذمار وصنعاء، ممتداً إلى الجوف وحرف سفيان، ويخضع بشكل كامل قادته
وعملياته لأوامر العميد أحمد (نجل الرئيس صالح).
الوحدات الخاصة، والتي كانت تسمى قديماً الحرس الخاص بالرئيس، حيث طورت
هذه الوحدات ودربت على القتال والاشتباك، بشكل جيد ويقودها العميد طارق
محمد (ابن شقيق صالح).
ويقود أخوه العميد يحيى قوات الأمن المركزي الذي أعيد بناؤه على أسس
قتالية حديثة وتسليح حديث، وتتمركز قيادته العامة في صنعاء متوزعاً بوحدات
وألوية في كل المحافظات.
يضاف إليها وحدات مكافحة الإرهاب التي تتبع العميد طارق، وجهاز الأمن
القومي (جهاز المخابرات الجديد الذي أنشئ كبديل للأمن السياسي–جهاز
المخابرات القديم) وهذا الجهاز المدعوم بقوة يخضع لإمرة وإدارة الشقيق
الثالث ليحيى وطارق (عمار محمد عبد الله صالح).
تحد جديد
أمام كل هذه التباينات داخل مؤسستي الجيش والأمن، يخوض الرئيس صالح تحدياً
جديداً ومختلفاً في أدواته ومعطياته، بمؤسسة عسكرية قديمة لا يركن إليها،
وبمؤسسة جديدة يكرهها الشعب. وفي مواجهة حركة احتجاجية شعبية جارفة وسلمية لا يبدو أنه لا الحرس ولا الأمن ولا الفرقة الأولى مدرع تستطيع مجتمعة أن تنقذ الرئيس.
فقد خرجت مجاميع من جنود الفرقة الأولى مدرع لتأمين المداخل الشمالية
المؤدية إلى ساحة التغيير وتمنع عنهم وصول البلطجية، هذه الفرقة بقيادة
اللواء الركن علي محسن الأحمر (ابن عم الرئيس) باتت تمثل الرمز التقليدي
للمؤسسة العسكرية التقليدية المهملة.
في حين توجد عند المداخل الجنوبية لساحة التغيير الوحدات العسكرية الجديدة
المأمورة من أبناء الرئيس (الحرس الجمهوري، الوحدات الخاصة، الأمن
المركزي، الأمن القومي، وحدات مكافحة الإرهاب) وتنفذ هجمات متفرقة بالرصاص
والقنابل الغازية والمسيلة للدموع ضد الشباب المحتج ، ومسنودة بمجموعات من
"البلطجية" المسلحين.
على مقربة من ساحة التغيير في صنعاء تتمدد القيادة المركزية للفرقة الأولى
مدرع ، التي أحبطت محاولة انقلاب مجموعة من الضباط الناصريين بعد تسعة
أشهر من تولي المقدم علي عبد الله صالح الحكم.
ومطلع هذا الأسبوع ظهر جنود وأفراد الفرقة الأولى بزي الجيش القديم
والباهت، مبتسمين ويؤمنون المداخل الشمالية لساحة التغيير، في حين تكثف
قوات الحرس الجمهوري والأمن والبلطجية من هجماتها وتتدفق من المداخل
الجنوبية لساحة التغيير.
إذن فماذا تعني ابتسامة جنود الفرقة الأولى مدرع للمعتصمين وهجمات الحرس وكتائب الأمن المركزي عليهم؟!