النشيد الوطني يعود إلى الوطنأحمد السلاميslamy77@gmail.com لم تفلح التجزئة السياسية والحدود الوهمية في إحداث فارق جوهري يجعل من
الشعور بالظلم عند المصري يختلف عن شعور المواطن التونسي أو اليمني.
تلك الحدود والأعلام واللهجات لم تفلح كذلك في طمس هوية عربية يوحدها ما
استجد من انكسار وخذلان بفعل استمرار تجاهل العرب الرسميين للقضية
الفلسطينية، وبفعل انهماك الزعماء وأجهزة مخابراتهم في تدمير الكيان الجمعي
والروح الوطنية.
لقد استمد النظام الراهن في اليمن بقاءه في الحكم طوال العقود الثلاثة
الماضية من خلال تدمير شعور الإنسان اليمني بالانتماء إلى وطنه، فأصبح
مفهوم الولاء الوطني في نظر السلطة هو الولاء للقيادة السياسية، ولم تعد
الساحة تتسع وفقا لهذا المنطق إلا للمرتزقة والمنافقين، وبذلك أصبحت
القيادة السياسية هي الوطن والوطن هو القيادة، أو كما قال معمر القذافي
"أنا المجد".
وبدوره لم يقصر الإعلام الرسمي في تكريس هذه المضامين السلطانية التي منحت
الزعيم في بلد جمهوري صفات ملك يستحوذ على التاريخ والحاضر والمستقبل.
هذا التهشيم المنهجي لروح الإنسان العربي هو ما يفسر قول أحد المصريين إن
ثورة 25 يناير جعلته يحب مصر من جديد، وهو ما يجعل اليمنيين في ساحات
الاعتصام يشعرون أن علم الجمهورية اليمنية كان مخطوفا، وأن النشيد الوطني
قد عاد أخيراً إلى الوطن وإلى ذاكرة أبنائه.
الأمر يتجاوز الشعور الجديد تجاه الرموز الوطنية من علم ونشيد، فهناك
الروح الفدائية التي تدفع الناس إلى ميادين وساحات الاعتصام كلما سقط شهيد
في عدن أو صنعاء أو تعز. إنهم يجدون في التضامن مع المعتصمين ما يعبر عن
الوفاء للشهداء الذين سقطوا من أجل التغيير، لذلك يشاركونهم في تقاسم الخطر
المحتمل ورصاص الغدر الذي لم يتوقف، ولا بد أن الشعب الذي يستعيد روح
التضحية جدير بنيل الحرية والكرامة.
وهاهم التونسيون والمصريون قد تحرروا من شخصية الزعيم المطلق، وهم الآن
على أعتاب مرحلة جديدة لتجفيف منابع الديكتاتورية وتأسيس نظام جديد، لا
مكان فيه للهيمنة الفردية، ولا العصابات التي جعلت الأنظمة الجمهورية تتحول
إلى ملكيات وإقطاعيات غير معلنة.
بعد مصر وتونس نجح الشعب الليبي في إفشال مخططات (القائد) الذي حكم على
نفسه بالدخول في قائمة السفاحين والقتلة، فسقطت كل تهديداته بإشعال حرب
أهلية بين قبائل ليبيا. وكلما أوغل القذافي في استخدام العنف توحد الشعب
ضده، ناهيك عن اتفاق المجتمع الدولي على ضرورة محاكمته باعتباره يرتكب
جرائم ضد الإنسانية. وفي النهاية سينتصر الشعب الليبي الحر، وقد يؤدي ما
فعله القذافي إلى تحول استثنائي في القوانين الدولية لضمان الحماية المبكرة
للشعوب من الحكام المستبدين والسفاحين. وهناك من بدأ بالفعل بطرح محددات
عامة تلتزم بها دساتير الدول نصاً وتطبيقاً، وقد يستيقظ الحكام على قرار
أممي ينص على مقاطعة أي نظام جمهوري أو ملكي يمارس البلطجة ضد شعبه.
بل إن الجرائم التي ارتكبها القذافي ربما تدفع الأمم المتحدة إلى افتتاح
عيادة للأمراض النفسية والعصبية، وإلزام حكام العالم الثالث بالخضوع للفحص
من قبل خبراء الطب النفسي، لأن الوقاية خير من العلاج، ولأن الطب الحديث
كفيل بمعرفة من هم الزعماء الذين يشكلون خطرا على شعوبهم وعلى وحدة
بلدانهم.
المصدر أونلاين