قصيدة : شموخ في زمن الانكسار ( د. عبد الرحمن العشماوي)
من كتاب ( شموخ في زمن الانكسار)
( وقفة أمام قامة الطفل الفلسطيني الشامخة ذلك الطفل المجاهد الذي عرف كيف يواجه الأعداء )
************
سحــــبٌ تلـوح ورعدها يتكلم *** والأرض تسمــع ما يقال وتفهم
وفـم الربيع الطلق يحكـي قصة *** ممّــا مضى وفــــــؤاده يتـألـم
كــــــــــــانت هنالك روضة مخضرة *** وبلابـل فـي ظلها تترنّــــم
كـانت هنالك زهرة فوّاحــة *** وصغــيــــرة ترعى وطفـــــل يحلم
كـانت هنالك أسرة مستـــورة *** تحيــــا الكفــاف وبالتآلف تنـعم
كان المساء حكـــاية ليليّـة *** يَهــــذي بها قمـــر و تنصت أنجـم
كـان الصباح قصيدة عربيــة *** والشمــــــس تنشدها فلا تتلعثم
كانت ربوع القدس أرضا حرة *** تُرعـــــى كرامتنـــــا بها وتُعظّـــم
يــــأتي إليها الفجـر طفلا أشقرا *** ولسانه بالــــذكريـــات يتمتم
كنـّــا بها الأحباب يجمع بيننا *** ديــــــن يلمُّ شتــــاتنا وينظّـــــــم
ومضت بنـا الأيام ، ليل حالك *** يسطـــــــو ، وفجر ضاحك يتجَهّم
ومضت بنــا الأيام ، بيت رذيلة *** يبنـــــى وبيت فضيـــــــلة يتهدم
ومضت بنـا الأيام ، مركب حسرة *** ينجـــــو ، وزورق فرحةٍ يتحطّم
ومضت بنـا الأيام ، موكب عزمنا *** متوقــــــــف ، وعدوّنا يتقــــــدم
وسمعت صوتـــا في مغـارة خوفنــا *** يوحــي صداه بظالم لا يرحم
من أيـن هذا الصوت ؟ كل إجابة *** تاهـت ووضـــع بـــــــلادنا يتأزّم
ومضت بـنا الأيام حتـى أسفرت *** عن وجهها الأحداث واختلط الدّم
وتجدد الصـــــــــوت الغريب ، نداؤه *** شؤم ، وأصـوات المدافع أشأم
وتجددت مأساتنــــــا ، وتمزّقت *** أوصال أمتنــــــــــــا ، ونام الضّيغم
من صاحب الصـوت الغريب وما *** الذي أغراه بي ،حتـى أتي يتهجّم
هو صــوت شـذّاذ اليهود ، وراءه *** قوّات أمريكــــا تُغيــــر وتهجـــــــم
ماذا يقول الصوت ؟ نصـــــف حديثه *** دعوى ، ونصـف حديثه لا يفهم
مازال ينطـق والوسائل لم تزل *** تروي لنــــــا أقــوالـــــه وتقــــــــدّم
صــــــــــوت ينـادي أمتي ورجالها *** جهرا ، ونيران الضغينة تُضــــرم :
لا ترفعـــوا رأسا ، فإن حسامنا *** بإزالـــــة الرأس العـــزيزة مُغـــــرم
لا ترفعوا كفّــــا ، فإن عيوننا *** مبثوثــــــة ، والقــــيد قيــــد أدهـــــم
لا تنطــــقوا حرفا ففـــي قانوننا *** أنّ الثغــــــور الناطقــات تكمـــــــّم
وإذا ضربنـــــــاكم فلا تتحـــــــركوا *** وإذا سحقنــاكم فــلا تتــــألّموا
وإذا أجعنـــــــاكـــم فلا تتذمـّــــــروا *** وإذا ظلمنـــاكــم فـلا تتظلّموا
نلقي الطعام لكم ، فإن قلنا : كلوا *** فكلـوا ،وإلا بالصيام استعصموا
عــربٌ وأجمل ما لديكم أنكم *** سلمتمــــــونا أمـــــــــركم وغفلتموا
ماذا دهـاكم ؟تطلبون حقوقكم *** طلـب الحقوق من الضعــيف محرّم
نحـــن الذين نقول ، أما أنتموا *** فالغافــــلــــــون الصامتون النــــــوّم
الأرض ، كل الأرض مسرحنا الذي *** تجري الفصـول عليه وهو مقسّم
نجري الشخوص كما نشاء ونشتـهي *** الـــــدَور يملى والمشـاهد ترسم
لن تستـــــريح قلوبنـا إلا إذا *** لم يبق في الأرض الفسيحـــة مسلم
*************
وسكــــــــتّ أبحث عن جواب مفّحم *** وأصفّ أرتـال الحــــروف وأنظِم
مـا كنت أعرف ما الجواب وربما *** وقف الحــــكيم كـــــــأنّه لا يعـــــلم
وهمَمـت أن ألوي العنان وقد بدا *** أني احتُُــبِست وأننــي لا أفــــهم
وإذا بجبهـــــة فـــــــــــارس متوثب *** يدنو ويـرفع رأســه ويسلـــّــــم
من أنتَ ؟ وانبهرت حروفي والتوى *** وجه السؤال وأثْبَــتتــْــني الأســهـــم
من أنتَ ؟ وامتدت إليه مشاعري *** جـسرا ، وقـلبي بالسعادة مفعم
من أنتَ ؟ أوزان القصيــــدة لم تزل *** عطشى وأفــق الشاعرية معتم
من أنتَ ؟ أشعر أن بئر مخـاوفي *** من بعد ما شاهدت وجـهك تُردم
من أنتَ ؟ لا كفٌ تمد إلى العـدا *** مســــــلوبةَ المعنى ولم ينطق فم
ووقفت حين رأيت طفلا شامخا *** قــــــاماتنا من حولـــــــــــــــه تتقزّم
طـفــلٌ صغير غير أن شموخـه *** أوحـــــــى إلــــي بأنــــه لا يـــــــَهرم
طـــــفــــــلٌ صغيـــر والمدافع حوله *** مبهـــــورةٌ والغاصــبون تبرّمــــــوا
في كفــّـــه حــجـــر ، وتحــت حذائه *** حجــــر ووجه عـــــــدوّه متورّم
من أنتَ يا هذا ؟ أعدْت تساؤلي *** والطفــــــــــــــل يرمقني ولا يتكلّم
من أنــــــــتَ يا هذا ؟ ودحْرج نظرة *** نحوي لهـــــــا معنىً وراح يتمتم
:
أنا من ربــوع القدس طفلٌ فارس *** أنـا مـؤمن بعقيدتي أنـا مسلـــــم
لغة البطـــــولة مـن خصائص أمتي *** عنّــــا رواهــــــا الآخرون وترجموا
من ذلك الوقت الذي انتفضت به *** بطحـــاء مكـــة ، والحطيــم و زمزم
منذ التقى جبريــــــــل فوق ربوعها *** بمحمد يتــلــو لـــــــه ويعـــــــلّم
منذ استدار الدهر دورته التـي *** عزّ التقــــــيّ بهــــــا وذلّ المـــــجرم
**********
أنا من ربوع القدس تحت عمامتـي *** عقل يفكر في الأمـور ويحســــم
ناديت قومي والريـــــاح عنيفة *** والصــــمت كــــهف والظــــلام مخيّم
نـــاديتُ ، لكن الذي ناديته *** أعـــــــــــــــمى أصمّ عن الحقيقة أبكم
نـــــــــــــــاديتُ لــكن الذي ناديته *** أمسـى على ماء التخاذل يَََـرقم
نـــــــاديتُ ، لكن الذي ناديته *** بالنــــــــــوم في الفرش الوثيرة مُغرم
ويئست ، ثم تركت قومي بعضهم *** يبدي تآمـــره و بعــــض يكـــــــتم
ومضيت وحدي في دروب عزيمتي *** إن المجــــاهد حين يصدق يعزم
ورأيـت أعدائي صغارا ، كلما *** واجَهتهــــــــــــــم بيقين قلبي أحجموا
وغدوت أدعـو من رجال عشيرتي *** من سافروا خلف السراب ودمدموا
يا من رحلتـــم في دروب ، شوكها *** صعــــب المراس ، ورملها متكوّم
هذي منابركـم تزلزل نفسها *** سأمــــــــــــــــا وقد كفرتْ بما قرّرتمو
طيروا بأجنحة السيـــاسة حيثما *** شئتــم ، وقـولوا ما أردتم وارسموا
وقفوا أمام وسائل الإعلام في *** سمـــْت ، لتــأخذ صـــــورة وتبسموا
واستمطروا من هيئة الأمم التـي *** هرمت بقــايا عطفها كي تغنمــوا
وترقبـــــوا تأشيــــــــــرة لدخولكم *** فلربمــــــا جــادوا بهــــــا وتكرّموا
وابنوا لكم في كل أرض دولة *** الشعـــــب والحكــام فيها أنتمــــــــــو
ودعـــــوا لنـــــا درب الجهاد فإنه *** درب الخلاص لنـــا وإن كابرتمـــــوا
درب مضى فيه الرسول وصحبه *** نشروا بــــــــه الحق المبين وعلّموا
ماذا أصـــــــاب القوم ، ما أهدافهم *** ما بالهـم قد أبهمـوا وتكتّمـــــوا
قالوا انتفـــاضتنــا صنيعتــــهم ولو *** صدقوا لقالــــــوا : إنهم لم يعلموا
نحن انتفضـــنا غــيـرة وتــذمـرا *** مما جنـــــاه الغاصــــــــبون وأجرموا
يــــــــــــا أمة الإسلام نحن حقيقةٌ *** في أرضــــنا فتدبّـروا وتفهمــــوا
ها نـحن في درب الجهاد وفوقنا *** مطر الرصــــــاص وللحجارة موسم
من داخــــل الوطن السليب جهادنا *** لسنـا وراء حــــــــــدوده نتكلّم
وإذا سألتم عن حقيقة حالنا *** فلـــــدى حجـــــــــــارتنا جواب مفحِم
نرمي بها الباغـي وفي إسلامنا *** أن الشيـاطين اللعيـنة تــــُــــرجم
**********
أنا من ربوع القس طفل شامخ *** أحمـــي فــــــؤادي باليقين وأعصم
مازلت أرقـى في مدارج عزّتي *** قلــبي دليلـي والعــــــزيمـــة سلـم
وأرى بعين بصيرتي مــــالا يرى *** غيــــــــــــري وأعرف ما يحاك ويُبرم
وإذا سألتم عن بني قومــــــي ففي *** كــتب الحقيقة ما يمضّ ويؤلم
لا تسألوا عن حالهم فهنـاك من *** يمحــو مــــــــــــــآثر شعبه ويهدّم
وهناك من يبني سعــــــــادته على *** كتف الضعيف ويستــبد ويظلـم
وهناك من يسخو علـى شهواته *** ويمِضـــــــه في المكرمات الدرهم
وهناك من ينسى بأن رحالَه *** تمضـــــــــــي ، وأن الموت أمر مبـــرم
وهناك من يدعو إلى سفـن الهدى *** وهو الغـويّ إذا خـــــلا والمجرم
وهناك من يشدو بشعر بـارد *** ومـــــــــازال يســــــرق لفظه ويترجم
ذبحوا القصيدة واستباحوا عرضها *** وجنوا على أحلامـــها وتهجّمــــوا
إني أقول وللدفاتر ضجّـــــة *** حولي َ، تهيَّـــــب من صداها المرسم
لو كان أمر الناس في أيديهمـو *** ما مـــات فــــرعــــــون وقام المأتم
لو كان أمر الناس في أيديهمــــــو *** ما ظــــل مكتوف اليدين الأشرم
لو كان أمر الناس في أيديهمــــــو *** ما سفّ من ترب الهزيمة رستم
سكت الرصاص فيا حجارة حدّثي *** أنّ العقيــدة قــــــوة لا تُهـــــــزَم
************[center]