لا تيأسي يا غزة
للشاعر الدكتور / عبد الرحمن العشماوي
لـ الشاعر الدكتور
/ عبدالرحمن العشماوي
((
لا تـيـأسـي يـا غـزة ))
في ليلةٍ مقتولةِ الأَسحارِ
*** محروقةٍ أثوابُها بالنَّارِ
ساعاتها مشحونةٌ بمواجعي
*** مبلولةٌ بدمي ودمعي الجارِي
ظَلْماؤها فُجِعَتْ بما شهدْته من
*** آثار موقع بيتنا المُنْهارِ
في ليلةٍ لَيْلاءَ باتتْ «
غزَّةٌ »
***تحت اللَّظى، وقذائف الأَخطارِ
باتتْ يُحاصُرها الدُّخَانُ، فما ترى
*** إلاَّ اختلاطَ دُخَانِها بغبارِ
وترى خيالاً من وراءِ رُكامها
*** لمَّا دَنَا، فُجِعَتْ بمنظر «
عارِي»
يمشي على الأَشلاءِ مِشْيَةَ حانقٍ
*** لم تَخْلُ من وَهَنٍ بها وعِثارِ
مَنْ أنتَ يا هذا
؟ سؤالٌ جامدٌ
*** في ليلةِ التَّرويعِ والإِهدارِ
أنا مسلمٌ -
يا قومُ - أَسْترُ عورتي
*** لكنْ ردائي ضائعٌ وإِزارِي
أنا واحدٌ من أسرةٍ مدفونةٍ
*** تحتَ الثَّرى المخلوطِ بالأحجارِ
أنا واحدٌ من أهلِ
غَزَّةَ في فمي
*** ذكر الإلهِ ودعوةُ الأخيارِ
لا تسألوني، إنَّ في قلبي اللَّظَى
*** مما جنى الباغي، وَوَمْضَ شَرارِ
هلاّ بحثتم في الرُّكامِ، فإنني
*** ما عُدْتُ أملك حيلتي وقرارِي
أين الصِّغارُ ، وللسؤال مَرارةٌ
*** فوقَ الِّلسانِ، فهل يجيب صغاري
؟!أشلاؤهم صارتْ تُضيء كأنجمٍ
*** تحتَ الرُّكامِ نَقيَّةِ الأنوار
أين النِّساءُ
؟ روى الدَّمارُ حكايةً
*** عن معصمٍ وحقيبةٍ وسِوَارِ
عن راحةٍ مقبوضةٍ تحت الثَّرى
*** فيها بقايا مِسْفَعٍ وخِمارِ
يا ليلةً سوداءَ أَقْفَرَ صمتُها
*** إلاَّ من الآلامِ والأكْدارِ
فكأَنَّها الغُولُ التي وصفوا لنا
*** قَسَماتها في سالفِ الأخَبارِ
في وجهها ارتسمتْ لنا صورُ الأسى
*** وبدت ملامحُ قبْحها المتوارِي
ساعاتُها امتشقتْ حساماً كالحاً
*** من طولها، ورمَتْ به إِصراري
من أين جاءت ليلتي بظلامها
*** حتى أجاد مع الهمومِ حصارِي
؟؟من أيِّ بحرٍ يستقي الليلُ الدُّجَى
*** ومتى تسير مراكب الإبحارِ
؟؟وبأيِّ ثَغْرٍ تنطق الدَّار التي
*** فُجِعَتْ بموتِ جميعِ أهل الدَّار
؟؟ماذا أقول لكم وبستان الرِّضا
*** أمسى بلا شجر ولا إثمارِ
؟!ماذا أقول، ولست أقدر أنْ أرى
*** أهلي وأطفالي، وهم بجواري
؟!لمّا دَنَا وجهُ الظلام تجمَّعوا
*** كي يستريحوا من عَناءِ نَهَارِ
أين العشاء
؟ تحدَّث الصاروخ عن
*** طَبَقٍ تطايرَ ساعةَ الإِعصَارِ
عن كِسْرةٍ من خُبْزَةٍ شهدتْ بما
*** يُخفي ركامُ البيتِ من أسرارِ
أين العَشاءُ
؟ لدى الشظايا قصةٌ
*** عن بيْضَةٍ سلمتْ من الأَضرارِ
حَلَفَ الحُطامُ لنا يميناً، أنَّها
*** مسكونةٌ بالعزمِ والإصرارِ
ولربما صارت
- على طول المدى
- *** حجراً يحطِّم جبهةَ المُتمارِي
أين العشاءُ
؟ دع السؤالَ فربما
*** سمع السؤالُ إجابةَ استنكارِ
إسألْ عن الأُسَر التي اختلط الثرى
*** بدمائها، عن هَجْمةِ الكفَّارِ
إسألْ «
مَهَا» عن أهلها فَلَرُبّما
*** سردتْ حكايةَ جرحها المَوَّارِ
ولربَّما رسمتْ ملامحَ دارِها
*** لمَّا غدتْ أثراً بلا آثارِ
ولربما وصفتْ ظَفيرةَ أختها
*** تحتَ الرَّكامِ، ووجهَ بنتِ الجارِ
إسألْ «
مَهَا» عن ظالمٍ لا يَرعوي
*** عن قَتْل ما يلقى من الأَزهارِ
اسأل «
مها» عن أمِّها كيف اختفتْ
*** في ليلةٍ مهتوكةِ الأستارِ
في ساعةٍ دمويةٍ شهدتْ بما
*** في أمتي من ذِلَّةٍ وصَغارِ
شهدتْ بأنَّ الغربَ أصبحَ لا يرى
*** إلاَّ بعينِ الفأْسِ والمِنْشارِ
إسألْ «
مَهَا» عن غَزَّةٍ ، وانظُرْ إلى
*** آثار ما اقترفتْ يَدُ الأشرارِ
وابعثْ إليها دَعْوَةً ممهورةً
*** بالحبِّ، وابعثْ صرخةَ استنفارِ
يا
غَزَّةَ الألم الذي سيظلُّ في
*** أعماقنا لهباً لجذَوْةِ نارِ
غاراتُ شذَّاذ اليهودِ رسالةٌ
*** غربيَّةٌ محمومةٌ الأفكارِ
كُتِبَتْ هنالكَ في مصادرها التي
*** تختال فيها شَفْرَةُ الجزَّارِ
بُعِثَتْ إليكِ على بريدِ خيانةٍ
*** متكفِّلٍ برسائلِ الفُجَّار
لو تسألين
القدسَ عمَّا أرسلوا
*** لروى حكايةَ مدفعٍ ثَرْثَارِ
وروى حكايةَ غافلٍ متشاغلٍ
*** عن وجهك الباكي بلِعْبِ «
قِمار»
لو تسألين «
جِنينَ» عنها أَخبرتْ
*** عن مُرسلٍ ومراسلٍ، غدَّارِ
وتحدَّثتْ عن بائعٍ ما زال في
*** غَمَراتِه يرنو لدرهم شارِي
لو يستطيع لباع كلَّ دقيقةٍ
*** من عمره المشؤومِ بالدُّولارِ
يا
غَزَّةَ الأملِ الكبيرِ، تكشَّفَتْ
*** حُجُبٌ فبانتْ سَحْنَةُ السِّمسارِ
وتخفَّف الليلُ البَهيمُ من الدُّجَى
*** فبدتْ ملامحُ ظالمٍ ومُماري
يا
غَزَةُ احتسبي جِراحَكِ إنني
*** لأرى اختلاطَ الفجرِ بالأَسحارِ
لا تجزعي من منظر السُّحُب التي
*** تُخْفي كواكِبَنا عن الأَنْظارِ
سترين تلكَ السُّحْبَ تَنُفُضُ ثوبَها
*** يوماً بما نرجو من الأمطارِ
يا
غزَّة الجُرْح المعطَّر بالتُّقَى
*** لا تيأسي من صَحْوةِ المليارِ
لا تيأسي من
أمةٍ ، في روحها
*** ما زال يجري مَنْهَجُ المُخْتَارِ
.
رابط الحفظ اللهم إحفظ أهلنا في