محمد احمد الكامل .
♣ آنضآمڪْ » : 09/12/2010 ♣ مشآرٍڪْآتِڪْ » : 629 الدَولَہ: : الضالع
| موضوع: الهجاء في الشعر الجاهلي الأحد ديسمبر 19, 2010 8:45 am | |
| الهجاء. كان الهجاء في الجاهلية يقوم على التنديد بالرذائل التي منها: الجبن والبخل والسّفه الذي هو ضدّ الحلم، فضلاً عن وضاعة النسب، وما عرفت به قبيلة المهجو من مثالب اشتهرت بها بين سائر القبائل، وهذه لا تخرج عن الرذائل التي تنفر منها النفس العربية عادة. ولعل من أشهر الهجَّائين في الجاهلية الشاعر الحطيئة، وهو من المخضرمين، وكان غير مأمون العاقبة، يهجو جماعة من الناس، فيحتالون إليه بالأموال ليكف عنهم هجاءه، فيأخذ أموالهم ولا يكف عن هجائهم. وفي صدر الإسلام، بدا واضحًا أن الإسلام قد أرسى من الفضائل مايجعل الهجاء إثمًا، ومع هذا، فقد ظل الحطيئة سادرًا في غوايته وهوايته فعاقبه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه بالحبس. كما أحدث الإسلام تحولاً مهمًا في الهجاء، فاتجه شعراء النبي ³ إلى هجاء المشركين وبخاصة أولئك الذين هجوا النبي وأصحابه، من شعراء المشركين، واضطر حسّان ابن ثابت إلى أن يمطرهم بوابل من الهجاء المقذع معاملةً لهم بالمثل، وهكذا وظف الهجاء في خدمة الدعوة. وفي العصر الأموي، تطور الهجاء إلى صيغة فنية جديدة لم تُعرف إلا في العصر الأموي، فظهر ماعُرف بالنقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه المقالة. ويتطور الهجاء في العصر العباسي ليصبح صورًا كاريكاتيرية على يد ابن الرومي خاصة، وعلى يد أبي الطيب المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي. كما يظهر من خلال تيار الشعوبية نوعٌ من الهجاء للجنس العربي، اختلف بين الوضوح والخفاء، وبخاصة لدى أمثال بشار وأبي نواس. كما شاعت معارك الهجاء بين أفراد من شعراء العصر العباسي، كتلك التي كانت بين حماد عجرد وبشار بن بُرد، وتناول الطرفان أبشع المثالب الحسية والمعنوية. وكما وضح تيار الشعوبية في أهاجي هذا العصر، فلقد وضحت الزندقة أيضًا في الهجاء، فكانت من التهم التي يوصم المهجوّ بها في أشعار الهجاء، كما كان يفعل حماد عجرد في اتهام بشار بالزندقة. ويظل تيار الهجاء ـ فيما بعد العصر العباسي ـ مستمرًا يشكّل بابًا من الفكاهة والطرافة، إلى أن يدخل العصر الحديث فيتحول هذا الهجاء إلى أداة فعالة في النقد السياسي والاجتماعي، كما في أشعار حافظ وشوقي في حملاتهما على الاستعمار، ونقد بعض أساليب الحكم، بالإضافة إلى نقد بعض الأمراض الاجتماعية، وبخاصة الفقر والجهل.
الرثاء. عرف الرثاء منذ العصر الجاهلي، وكان يتميز بما تميزت به سائر الأغراض من حيث الصدق وعفوية الأداء. وقد رثى شعراء الجاهلية قتلاهم في الحروب، كما رثوا موتاهم في غير الحروب. وكانوا يرثون قتلاهم بذكر مناقبهم وبالبكاء الحار عليهم حثًا للقبيلة على الثأر. كما أن المرأة أدّت دورًا كبيرًا في رثاء قتلى الحروب، إذ تذكر المصادر، مثلاً، أن الخنساء في الجاهلية كانت تخرج إلى سوق عُكاظ فتندب أخويها صخرًا ومعاوية، وكانت تحاكيها هند بنت عتبة راثية أباها، ولم تكن الخنساء ولا مثيلاتها من البواكي يقنعن بيوم أو أيام في رثاء موتاهنَّ، بل كنّ يمكثن الأعوام باكيات راثيات، ولا شك أن النساء كنَّ يدعون بدعوى الجاهلية سواء في أشعارهن أم في بكائهن وعويلهن. ومن روائع مراثي الخنساء ما قالته في أخيها صخر: قذىً بعينــك أم بالعــين عُوَّار أم ذرَّفت مُذْ خلت من أهلها الدارُ كأن عيني لذكراه إذا خطرت فيضٌ يسيل على الخدَّيــن مــدرار
ومثلما رثى شعراء العصر الجاهلي ذويهم، فقد رثى الشعراء أنفسهم قبل الموت، ورسموا صورًا بالغة التأثير لمآلهم بعد الموت، كقول أحدهم: قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَعَث وألبســوني ثيابًــا غـير أخــــلاق وأرسلــوا فتيــةً من خيرهم حسبًا ليسندوا في ضريح التُّرب أطباقي
ومثلما رسم الشاعر الجاهلي صورة للمثل والفضائل في قصائد المدح، فكذلك كانوا في مراثيهم يعددون فضائل الميت، حتى عرَّف النقاد القدماء الرثاء بأنه ذكر فضائل الميت ومدحه. وفي صدر الإسلام، ظل الرثاء غرضًا شعريًا، إلا أن العقيدة الجديدة أدخلت عليه تطويرًا واضحًا. فلم يعد الراثي يذكر ما حظره الإسلام من المعاني التي تتعارض مع ما أمر الله به من الصبر والإيمان بقضاء الله تعالى. كما كانت مراثي شعراء الرسول ³ تتضمن معاني الجهاد والإشادة بالبطولة والشهادة في سبيل الله. وتتضمن أحيانًا هجوًا للمشركين وقتلاهم. وفي العصر الأموي ـ وبخاصة إبان أحداث الفتنة الكبرى وغيرها ـ تلقانا مراثٍ كثرٌ فيمن قتل من رجال الشيعة أو من رجال الخوارج. وبجانب البكاء في هذه المراثي أو تلك وبجانب الإشادة بالأموات، كان الرثاء ممتزجًا بالأفكار السياسية للفرق، وكان شعر الرثاء فرصة للتعبير عن هذه الأفكار. فها هو ذا عبيدالله بن قيس الرقيات يرثي ولدي أخيه عبدالله اللذين قتلا في موقعة الحرّة، فيقول: إن الحوادث بالمدينــة قد أوجَعْـنَنِي وقرعْـن مَرْوتِيَــهْ
إلى قوله يتوعد الأمويين: والله أبرح في مقدمةٍ أهدي الجيوش عليَّ شكَّتيه حتى أفجّعهم بإخوتهم وأسوق نسوتهـم بنسوتيّــه
كما شاعت مراثي الشعراء للحسين بن علي رضي الله عنهما. وفي العصر العباسي، تظهر مراثي الشيعة في الإمام الحسين، وأشهر شعرائهم في ذلك السيد الحميري ودِعْبِل الخُزاعي، ومن أصدق مراثي هذا العصر مراثي دعبل في زوجته التي قتلها في موجة شك عارمة انتابته على إثر وشاية كاذبة فلما ظهرت له براءتها مضى يرثيها أصدق رثاء. وحين اشتدّت موجات الصّليبيين والمغول على المسلمين، كان من الطبيعي أن تشيع مراثي الشعراء في القادة خاصة، سواء من استشهد منهم أو من مات خارج المعركة. فمن ذلك مراثيهم في عماد الدين زنكي الذي استشهد على يد غلام له أثناء حصاره لإحدى القلاع، كما رثى الشعراء ابنه نور الدين حين مات، خارج المعارك، وفقد المسلمون بموته قائدًا عظيمًا. كما بكى الشعراء صلاح الدين، وقد بلغت مرثية العماد الأصبهاني له مائتين وثلاثين بيتًا صور فيها حسن بلائه. كما شاعت مراثيهم في موتى الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، هذا إلى رثاء الأعلام من الوزراء والعلماء والقضاة. وفي العصر الحديث، استمر الرثاء غرضًا شعريًا مستقلاً، وبخاصة رثاء الزعماء وقادة الحركات الوطنية والإصلاحية، وهنا تصبح المراثي فرصة لتجسيد المعاني الوطنية، والسياسية والدينية، كما اصطبغ الرثاء بأصباغ فكرية، واختلفت مناهجه على أنحاء شتى تبعًا لمذاهب الشعراء ومدارسهم الفنية.
| |
|