في ورقة له عن تقييم المؤشرات الإنتاجية للنفط والغاز في اليمن، والتي قدمها في مؤتمر اليمن – الإقتصاد المستقبل والذي بدأ أمس بصنعاء وينظمه المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية على مدى ثلاثة أيام أكد وزير النفط والمعادن الأسبق رشيد صالح بارباع وجود نظام بترولي متكامل الأحواض النفطية باليمن بناء على بيانات الأعمال الجيولوجية والجيوفيزيائية وحفر الآبار، معتبرا ذلك دليلا على وجود إمكانات واسعة للمزيد من الاكتشافات النفطية سواءً في الأحواض المنتجة أو غير المنتجة.
كما اعتبر اكتشاف الغاز تحت ضغط مرتفع في أحد أجزائه حوض خليج القمر في محافظة المهرة، دليلاً حقيقياً على وجود تلك الإمكانات البترولية في منطقة لم يظهر فيها النفط قبل ذلك ولم يعرف الكثير عن نظامها البترولي وهو الأمر الذي يفتح الاكتشاف أفاقاً واسعة وآمالا كبيرة وحافزا إيجابياً للتنافس في أعمال البحث والتنقيب من قبل الشركات.
وساق جملة من عوامل الجذب التي قال إن "تمتلك اليمن الكثير منها"، في مجال النفط والغاز وأبرزها انتشار النظام البترولي الواسع في كثير من الأحواض الرسوبية البرية والبحرية ونسبة إيجابية في حفر الآبار الاستكشافية إلى العدد الكلي من الآبار الاستكشافية المحفورة، وإشارته إلى أن الاكتشافات الجديدة للنفط الخفيف والغاز معاً في الشقوق الدقيقة لصخور الأساس الصلبة والواسعة الانتشار تعد ظاهرة غير معهودة على مستوى الشرق الأوسط حيث يمكن اعتبارها هدف استكشافي ثانوي على اقل تقدير، حسب تعبيره.
وأكد الوزير السابق أن حجم احتياطيات النفط اليمني الثقيل كبيرة نسبيا، كما أن اليمن تعد أول دولة منتجة للنفط والغاز من مكامن صخور الأساس في المنطقة وإمكانية الحصول على النفط من هذه الصخور ما زال كبيراً، مشيرا إلى وجود نوع آخر من المكامن في اليمن غير المألوفة في طبيعتها الجيولوجية وهي تراكيب كربونية (carbonate build up) تتكون من الشعب المرجانية المتحجرة والمشبعة بالمسامات، إذ تم تم في عام 2001م اكتشاف حقل نفطي في الشعب المرجانية عند حفر بئر عقبان - ا في قطاع مالك قي حوض سيئون - المسيلة، ووجد من خلال التحليل بان الطبقات الحاوية على النفط هي من الحجر الجيري– الشعب المرجانية (العصر الجيوراسي).
وفيما أشار إلى أن 2011م و2015 م هي أعوام نهاية فترة اتفاقيتي المشاركة في الإنتاج بين الدولة وكل من شركة كنديان نكسن قطاع المسيلة وتوتال قطاع شرق شبوه وشركة دوف في قطاع شرق سر في م. حضرموت على التوالي، شدد على ضرورة الإسراع في وضع برنامج زمني محدد واختيار الفريق الجيد الذي سيشغل المناصب الإدارية العليا في تشغيل القطاع، موضحا عن نوعين من الاتفاقيات النفطية السارية في اليمن وهي اتفاقية المشاركة في الإنتاج وهي السائدة حتى الآن واتفاقية المفتاح الجاهز، لافتا أن الأخيرة وقعت مع شركة زاروبيج جيولوجيا الروسية.
وبين رباع أن اتفاقيات المشاركة في الإنتاج في اليمن مرت بمراحل مختلفة اتسمت بتحسين الشروط المواكبة للمستجدات الاقتصادية والتحديات السياسية المحلية والعالمية وجذب الاستثمارات العالمية وواعدية القطاعات وتوفر البناء التحتية، موضحا عن أهم الشروط الذي تم تغيرها في اتفاقية المشاركة في الإنتاج والتي حددها في إعطاء الجانب الحكومي المتمثلة بالمؤسسة اليمنية للنفط والغاز نسبة محمولة التكاليف من حصة المقاول وعادة من 5% إلى 25% وإنشاء شركة تشغيل مشتركة تتكون من الشركة المقاولة والدولة وتنشا بعد دخول مرحلة التنمية وتغيير قيمة بعض المنح المقدمة للدولة مثل منحة التوقيع والإنتاج والدعم المؤسسي والتنمية والتدريب ومنها ما تم استحداثها مثل منحتي البحث والتطوير ومساهمة بنك المعلومات،
وأشار وزير النفط السابق في سياق الشروط التي تم تغييرها إلى أن كافة الاتفاقيات السابقة نصت على ملكية الدولة للغاز بشقية المصاحب والجاف وهو الأمر الذي أدى إلى إحجام الشركات عن استكشاف وتطوير الغاز، لكن نمو سوق الغاز العالمي والاحتياج الشديد للوقود الرخيص والنظيف أعطى الاتفاقيات الجديدة إمكانية المشاركة في الغاز بهدف تشجيعها على اكتشاف وتطوير الغاز، حد قوله، إضافة إلى إنشاء صندوق خاص لمواجهة تنظيف المنطقة بعد انتهاء اتفاقية المشاركة في الإنتاج.
أما التحديات التي تواجه العمل البترولي في اليمن فحصرها بارباع في خمسة تحديات تتمثل في " اجتماعية وأمنية كتفجير خطوط الأنابيب, الاختطافات ومنع الشركات ومقاوليها عن العمل إلى غير ذلك وعدم وجود إستراتجية وطنية واضحة للترويج، وعدم وجود أطر زمنية للمصادقة على الاتفاقيات الموقعة بالأحرف الأولى، وقصور في إدارة العمليات البترولية، وعدم نضج البناء المؤسسي لإدارة مختلف الأنشطة البترولية وازدواجية الصلاحيات وعدم التنسيق بين الجهات المختلفة المعنية بتنفيذ الاتفاقيات والذي ينتج أحيانا عدم معرفة عميقة لطبيعة الاتفاقيات الصادرة بقانون ذي طبيعة خاصة وعدم اتخاذ القرارات في الوقت المناسب والمتابعة المستمرة في التنفيذ وذلك بسبب ضعف العمل المؤسسي والتدخلات والخوف من التشكيك بنوايا صاحب القرار وأخيرا ضعف الاهتمام بالبحث والتطوير وبناءا لكادر والقدرات المؤسسية والفنية لمواكبة ومراقبة العمليات".
وقدم الوزير السابق إحصائية بعدد القطاعات الإستكشافية والإنتاجية، حيث وصل عدد القطاعات الإنتاجية اليوم إلى 12 قطاع بمساحة كلية تقدر ب 21957 كم2 أما الاستكشافية فعددها 37 قطاع بمساحة تقدر ب 195780 كم2. عدد القطاعات التي تنتظر المصادقة فهو قطاع واحد أما القطاعات المفتوحة فهي 50 قطاعا بمساحة قدرها 731 كم2 و396932 كم2 على التوالي، كما بلغ عدد الآبار التي تم حفرها حتى شهر ديسمبر 2009م 2059 بئر, منها 474 بئرا استكشافيا و1585 بئرا تطويريا (إنتاجيا)، وتنفيذ ما يزيد على 174 ألف كيلومتر من المسوحات الزلزالية ثنائي الأبعاد وأكثر من 8 ألف كيلومتر مربعا ثلاثي الأبعاد.
وبحسب (بارباع) فإن عدد القطاعات الإنتاجية إلى الوقت الراهن تبلغ 12 قطاع وتشغلها عشر شركات تسع أجنبية وواحدة وطنية، مشيرا إلى وجود 12 حوضا رسوبيا في اليمن ذات أعمار جيولوجية مختلفة من أوليجوسين- ميوسين (25 إلى 5 مليون سنة) مرورا بالجوراسيك- كريتاسي (155 إلى 70 مليون سنة) إلي الباليازويك (570 إلى 220 ملبون سنة).
وفي تعقيبهما على ورقته قدم كل من الدكتور اسماعيل ناصر الجند والدكتور مصطفى عبد اللطيف السروري تعريفا برشيد صالح بارباع " والذي عمل عقب تخرجه كجيولوجي بترول في هيئة الاستكشافات النفطية, عدن حيث عمل مع عدد من الشركات النفطية أثناء الأعمال الاستكشافية في العديد من الأحواض الرسوبية واستطاع أن يطور قدراته العلمية والتأهيلية حين قدم أطروحته للدكتوراه حول جيولوجية النفط في قطاع شبوة في حوض السبعتين وهذا ما مكنه من أن يكون قريباً من المعلومات الجيولوجية بشكل عام والبترولية على وجه الخصوص ثم مسئولا في وزارة النفط والمعادن حيث عين وكيلاً في 24/4/1996م وحتى 2001م ومن ثم وزيراً حتى عام 2006م وهذا ما مكنه أيضا أن يكون قريباً جداً من السياسات البترولية".
وعبرا عن تأسفهما لأن" اليمن لم تعمل على تطوير قدراتها الفنية لاستكشاف وإنتاج النفط وإنما ظلت ومازالت تعتمد على الشركات النفطية والسعي لجذبها للاستثمار في هذا الجانب بينما هناك دول أخرى سعت وأوجدت كيانات وطنية مثل الشركة الوطنية الجزائرية سوناطراك ((Sonatrach وشركة تنمية نفط عمان"، مشيرينت إلى قيام
دول كبرى باستيراد النفط أكثر من احتياجاتها وتعمل على تخزينه وبالأخص في القبب الملحية كاحتياطي مستقبلي لفترات قادمة ستأتي حيث سيزداد استهلاك الدول من النفط". وعن واقع الاستكشاف والإنتاج البترولي أكد المعقبين عدم عدم وجود سياسة إنتاجية يمنية تعمل على إطالة عمر الحقول النفطية مع إمكانية الاستخراج الأمثل وذلك من خلال المحافظة على ضغوطات المكامن والعمل إلى عدم الإخلال بها, إضافة إلى توفير المبالغ المالية الكبيرة التي ترتبت على حفر العديد من الآبار التطويرية الإضافية، في ظل وجود مؤشرات ايجابية بتزايد اكتشاف النفط في صخور الأساس ولكنها في المقابل لا يمكن أن تغطي ما تم إنتاجه حيث وان الاحتياطيات في هذه الصخور لا يمكن معرفتها بدقة, إضافة إلى أن تقنية الاستكشاف والإنتاج تعد مكلفة.
وفيما استبعدا " إمكانية اكتشاف حقول بترولية على غرار قطاع 18, 14 بسبب أن التطور الجيوغرافي القديم (Paleogeography) للوحدات الصخرية لا يمكن أن يتكرر في مناطق متجاورة "، متوقيعن عودة اليمن إلى الدول المستوردة للنفط في المستقبل القريب أو المتوسط، مقدمين ملاحظات على موضوع الغاز أبرزها أنه و" منذ بداية الإنتاج النفطي في قطاع مارب في عام 1986م تم إحراق الغاز بكل أنواعه وما زال الحرق يتواصل ولو بنسب اقل"، كما أن " اغلب القطاعات الإنتاجية تقوم بحرق الغاز حتى الآن"، في ظل عدم وجود " كيان فني في إطار وزار ة النفط والمعادن يختص بالغاز ويعمل على تطويره وفقا لمتطلبات التنمية"، ومثله عدم وجود . إستراتيجية خاصة أو رؤية شاملة بشان استخدام الغاز منذ اكتشافه"، كما أنه " لم يتم وضع أي آلية لاستخدام الغاز في توليد الطاقة وتم توليد الكهرباء بالديزل" ولجوء أغلب الشركات النفطية إلى تكرير النفط الخام واستخدام الديزل في توليد الكهرباء لتسيير العمليات البترولية عوضاً عن استخدام الغاز ، منتقدين في هذا السياق قيام الحكومة وعلى غرار شركات النفط ببيع الغاز لمصلحة الغير وساهمت في تحمل التكلفة الباهضة للبنية التحتية المترتبة على ذلك.
وتوقع الباحثين وجود الغاز وبكميات كبيرة في حوض جزع-القمر والذي يقع في المنطقة الشرقية ووهو ما أكدته ما اكتشافات شركة جالواويل الأندنوسية (Gallo Oil Co.)مؤخراً ولو أن التقييم الأولي لم يكتمل بعد.
وطالب الباحثين بدعم شركة صافر باعتبارها الكيان الوطني في هذا المجال وتمكينها من القيام بأعمال استكشافية في قطاعات أخرى وإعطائها الأولوية في القطاعات ذات الآفاق البترولية الواعدة ومساعدتها كذلك في العمل بقطاعات استكشافية في دول أخرى على المستوى الإقليمي مثل السودان والصومال على اقل تقدير، داعين إلى العمل على استغلال الغاز والتوقف عن حرقه نهائياً والعمل على تخصيص احتياطي كافي لليمن لمجابهة توليد الطاقة ولغرض سد متطلبات التنمية وإعادة تقسيم القطاعات النفطية وإخراج خارطة نفطية معقولة ومستندة على معطيات جيولوجية وعلمية تستند على انتشار الأحواض الرسوبية المختلفة ومراجعة خارطتها وإعادة النظر في عدد القطاعات الموجودة في حوض الربع الخالي (الحافة الجنوبية) وعلى قوس حضرموت واختزالها إلى النصف أو اقل من ذلك.
كما طالب الباحثين إعطاء امتيازات وتسهيلات لجذب الشركات الكبيرة لمنطقة البحر الأحمر والتي عملت في السابق في حوض تهامة على البحر الأحمر خاصة بعد تطوير الاتفاقيات المشاركة وإدخال بند تقاسم الغاز، مؤكدين أن " حوض تهامة تكتمل فيه كل عوامل النظام البترولي سواء من تواجد وظهور قطرات النفط في ملح الصليف أو الاكتشاف الغير تجاري في بئر الزيدية في بداية الستينات أو في بئر كثيب والذي حفر من قبل شركة شل في نهاية السبعينات"، ومثله إعطاء امتيازات وتسهيلات لجذب الشركات النفطية الكبيرة في خليج عدن وسقطرى بعد العمل على إعادة تقسيم القطاعات المنتشرة في المغمورة واختزالها إلى اكبر من النصف وتشجيع أعمال البحث والتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الشرقية في حوض جزع-القمر كونها منطقة واعدة والعمل على تطوير البتروكيميائيات سواءً المشتقة من النفط أو الغاز لما في ذلك الاستفادة من المخرجات المختلفة .
واتفقت الورقة الرئيسة والمعقبين كثيرا في مسألة التحديات التي تواجه العمل البترولي في اليمن وأبرزها عدم وجود كيانات وطنية حتى الآن تعني بقضايا الاستكشاف والإنتاج سواء ما يخص النفط أو الغاز وعدم وجود الكادر الوطني المؤهل حتى الآن الذي يمكن الاعتماد عليه في وضع السياسات البترولية وإذا وجد فانه موزع في المواقع الغير مناسبة، مشيرين في سياق ذكرهما للتحديات أن " الدولة حتى الآن بدون إستراتيجية بترولية وهمها الحالي هو توفير مبالغ وإيرادات مالية".
وأكد حاجة وزارة النفط والمعادن إلى هيكلة صحيحة وتشكيل هيئة مستقلة تعني بشئون الغاز بجانب هيئة النفط، مطالبين بإنشاء شركات وطنية متخصصة في إطار وزارة النفط والمعادن سواءً ما يخص الاستكشاف أو الإنتاج أو ما يتعلق بالخدمات البترولية.