[color=green]الـــحـــج عــــرفــــة
لفضيلة الشيخ محمد أمان بن علي الجامي
رحمه الله تعالى
(عميد كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية سابقاً)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنعم المتفضل وصلاة الله وسلامه وبركاته على أكرم الرسل محمد بن عبد الله وآله وصحبه..
الحج عرفة
تعبدنا الله العليم الحكيم بأنواع عديدة من العبادات منها ما هو بدني محض كالصلاة والصيام ومنها ما هو مالي محض كالزكاة وسائر النفقات..
وهناك عبادة يقوم العبد بأدائها ببدنه مع إنفاق المال فيها فيقال لها عبادة لها عبادة مالية وبدنية وهي عبادة حج بيت الله الحرام التي ينفق فيها الإنسان المسلم من أنفس أمواله ويكابد فيها متاعب السفر ومشقته ومن أجزاء هذه العبادة - إن صح التعبير- الوقوف وبعرفة حيث تعبدنا الله تعالى لحكمة يعلمها أن تقف عشية اليوم التاسع من شهر ذي الحجة في أرض فسيحة محدودة بحدود معروفة قديماً وحديثاً تسمى- أرض عرفه-
نقف في وسط تلك الأرض نعبد الله وحده بعبادة شرعها الله لنا على لسان من اختاره وأرسله إلينا ليبلغنا دين الله وهو محمد بن عبد الله النبي الأمي الهاشمي عليه الصلاة والسلام وتلك العبادة ذكر الله تعالى ذكراً كثيراً من التهليل والاستغفار والتسبيح والثناء عليه سبحانه والتضرع إليه ويبوء العبد هناك بذنبه ليتوب عليه ويبوء بنعمه التي لا تعد ولا تحصى ويطلب المزيد من فضله ويكثر من هذه العبادة وهذا الثناء التضرع يكرر والدعاء ويلح لعل الله يجعله من عتقاء ذلك اليوم العظيم الذي من الله به على عباده، هكذا يظل الحاج في عبادة ربه والاعتراف بذنبه من بعد زوال شمس يوم عرفة إلى الليل.
حدود الموقف
وهذه البقعة التي سوف نقف فيها في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة يحسن بنا أن نعرف حدودها ولو على وجه التقريب.
ويحد عرفة شرقاً الجبل العالي شمال جبل الرحمة، ويحدها من الجنوب الجبال المقابلة له ويحدها من الشمال والغرب بطن وادي عرنة الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب وهو الحد من الشمال والغرب، والمسجد نفسه في وادي عرنة ونمرة غربي عرفة وكلتاهما ليستا من عرفة وأما نمرة في الأصل قرية غربي عرفات وهي الآن خراب ما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم، وعرنة في الأصل جبل عليه أنصاب الحرم (علاماته) أما الآن فليس هناك جبل بل كلها أرض مستوية ولعل الجبل المذكور كان عبارة عن تل من الرمال زال مع الزمن، والله أعلم..
وإذا تجاوز الحاج منطقة نمرة وارتفع في بطن وادي عرنة فليقف حيث تيسر له الوقوف، أما رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد نزل بنمرة عندما جاء من منى صباح يوم عرفة ثم ارتحل مع الزوال وصلى الظهر والعصر بعرنة وخطب بها الناس ثم دخل الموقف فوقف عند ذيل جبل الرحمة مستقبل القبلة عند الصخرات جاعلاً جبل المشاة بين يديه، وجبل المشاة الطريق الذي يسلكونه في مشيهم أو صفهم في تجمعهم. إلا أن رسول الرحمة لم يلزم أمته بأن يقفوا حيث وقف هو عند الصخرات ولم يحثهم على ذلك رحمة بهم ولئلا يوقعهم في حرج.
بل قال: " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف" وهذا يعنى أنه لا فرق بين الوقوف عند الصخرات التي وقف عندها رسول الله عليه الصلاة والسلام وبين الوقوف في أي مكان آخر في عرفة وأما صعود الجبل فغير مشروع، قطعاً لأن الشرع، ما شرعه الله لعباده على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فرسول الله لم يصعد الجبل بل ولم يستقبله عند التحقيق لأن الثابت أنه جعل جبل المشاة بين يديه كما في حديث جابر بن عبد الله، يقول بعض من 1 حقق المسألة أن حديث جابر يدل على أن جبل الرحمة كان على يمينه وقد استنتج ذلك من أنه جعل جبل المشاة بين يديه ويفهم من كلامه أن الصخرات التي وقف عندها رسول الله هي التي في جنوب الجبل عند الأشجار حاليا وكلامه أشبه والله أعلم.
فعلى الحجاج أن يتجنبوا صعود الجبل والازدحام حوله لئلا يضيعوا وقتهم الثمين فيما لا يعود عليهم بأدنى فائدة بل في ذلك مضرة بل وأي مضرة بل على الحجاج أن يقفوا حيث شاءوا ولهم أن يتوغلوا في تلك الأرض الفسيحة ما شاءوا أن يتوغلوا حتى تردهم سفوح الجبال من الشرق والجنوب دون تقيد بمكان معين.
أسماء جبل الرحمة
وقد ذكروا لهذا الجبل عدة أسماء:
1) يقال له جبل الرحمة وهذا الاسم من أشهر تلك الأسماء ولعله من أحدثها.
2) يقال له جبل الدعاء.
3) يسميه بعض العامة (القرين بضم القاف مصغراً).
4) أما اسمه القديم (إلآل على وزن هلال).
وقد حاولت أن أعرف سبب تسمية الجبل بهذا الاسم (جبل الرحمة) واتصلت بعدة مصادر وسألت عدة أشخاص من أهل العلم ولم أحظ بجواب شاف إلى لحظة كتابة هذه السطور فاترك المسألة قيد بحث وأمضى في الكتابة في الموضوع، وعلى كل حال أن هذه التسمية في النفس منها شيء لأن الرحمة لا يختص نزولها بذلك الجبل ومدعى ذلك يطالب بالدليل وليس الدعاء خاصاً بالجبل أيضاً بل هو كغيره في كل ذلك فرحمة الله تعالى وعتقه من النار من شاء من عباده في ذلك اليوم عام لكل من وقف عرفة في أي بقعة منها والذي دفعني إلى هذا البحث ما شاهدته وشاهده غيري من كل ذي عينين من تصرفات بعض الحجاج أشبه ما تكون ببعض الجاهليات التي يفعلها بعض العوام عند قبور الصالحين من تمسح بالحجارة وتقبيلها علاوة على ما يحصل من تضييع الوقت بالصعود والنزول وهو أمر غير مشروع كما تقدم، بل أصبح لدى كثير من عوام الحجاج أن صعود الجبل هو المقصود من وقوف عرفة وقد كان الصعود الشغل الشاغل لهم وأنت ترى الزحام من سفح الجبل إلى قمته طيلة النهار.
وكأن العوام فهموا من هذا الاسم (جبل الرحمة) أن الرحمة إنما تنزل في ذلك اليوم على من فوق ذلك الجبل فقط استنتاجاً من الاسم، ويريدون أن تنالهم الرحمة وهم فوق جبل الرحمة وهي شبهة كما ترى قوية تدفع العوام إلى صعود الجبل فلا يلامون على ما صنعوا طالما الشبهة قائمة ولم يجدوا من ينبههم على خطأ تصورهم معنى الوقوف.
ومما قوى هذا الشبهة لدى العامة وأشباههم وجود ذلك العمود الأبيض الذي نصب على رأس الجبل ليكون علامة على إنه جبل الرحمة مع وجود عديد من المساجد الصغار والمحرابات منتشرة في سفح الجبل وفوق الجبل وفي الأماكن القريبة من الجبل. وهذه الأشياء تدعو الحجاج بلسان حالها إلى التجمع على الجبل إلتماساً للرحمة.
الصلاة في الجبل
ومما جرت به عادة الحجاج صلاة ركعتين في كل مسجد في الأماكن المقدسة وفي المشاعر ولو في وقت نهي فجرياً على هذه العادة ترى الحجاج بعد صلاة العصر في منطقة جبل الرحمة وهم يصلون ركعتين في كل مصلى وفي كل محراب، وإذا قيل لهم في ذلك قالوا ركعتين لله (بس ما في شيء) فكم كان مفيداً لو أزيل ذلك العمود وتلك المحرابات والمصليات المنتشرة في منطقة الجبل وكان جيداً لو قامت وزارة الحج والأوقاف واللجنة العليا للحج، وإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد التي تتبعها (هيئة التوعية) للحجاج كم كان جيداً لو قامت هذه الجهات بدراسة وضع الجبل وصعوده ووضع تلك المساجد الصغار هناك والعلم المنصوب فوق الجبل لتبقى على ما كان نافعاً وجائزاً شرعاً وتزيل ما كان ضاراً وغير جائز شرعاً ويكون ذلك أداء لبعض واجبها نحو ضيوف الرحمن، زادها الله توفيقاً ونحن نعلم إن هذه الجهات المذكورة تقوم بالشيء الكثير في خدمة بيوت الله عامة وخدمة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف خاصة وحجاج بيت الله وزوار مسجد خاصة وحجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله، فجزاؤهم على الله أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
النصح للحجاج
وكل الذي أريد أن أقوله في الموضوع أن الذي تقتضيه النصيحة لحجاج بيت الله الحرام (الدين النصيحة ) منع صعود الجبل بأنجح وسيلة ممكنة أو باستخدام عدة وسائل تحقق الغرض حرصاً على وقتهم الثمين الذي يضيع عليهم دون فائدة في عشية ذلك اليوم المبارك بل حرصاً على عبادتهم ومعتقداتهم من أن تخدش بنوع من معتقدات الجاهلية في الأحجار والأشجار والمباني.
وكنت أذكر منع صعود الجبل بل التشدد في المنع فيما قبل عام 1370هـ وقد حضرت موسم عام 1369هـ فوجدت الجنود يمنعون صعود الجبل بشدة وكان الناس يجتمعون في سفح الجبل عند الصخرات التي وقف عندها الرسول عليه الصلاة والسلام كما يفهم من السنة.
فيا حبذا لو استخدمت تلك الوسيلة ذاتها مرة أخرى إن لم نجد وسيلة أو وسائل أخرى أجدى وأنفع في تحقيق الغرض.
ونحن نعلم يقيناً إن بعض العوام من الحجاج قد تعودوا التبرك بالأحجار والأشجار وقبور الصالحين أو من يدعون الصلاح وهم ينظرون إلى الجبل الذي بعرفة وما فوقه وما حوله من المباني بذلك المنظار ولا سيما مع هذا الاسم (جبل الرحمة).
لذا نرى أن تبذل كل جبهة ما تستطيع بذله في هذا الصدد ليكون حج حجاج بيت الله الحرام بعيداً عن المخالفات والبدع والأعمال الجاهلية التي قد يقع فيها بعض الحجاج جهلاً منهم.
وقد بذلت حكومتنا السنية في سبيل راحة الحجاج وتسهيل أمورهم كل غال ونفيس يتمثل ذلك في تلك الشوارع الواسعة بأعداد هائلة والكباري العملاقية والميادين الواسعة والمستشفيات والمستوصفات المنتشرة في كل من عرفة ومزدلفة وفي كل مكان تصل إليه أقدام الحجاج في الحرمين الشريفين زادها الله من فضله ومن توفيقه.
والناحية التي نحن بصددها لم يغفلها المقام السامي حيث يجند في كل موسم عدد كبير من علماء المسلمين من الداخل والخارج لتوعية حجاج بيت الله الحرام وتعليمهم ما يجهلون من أمور دينهم عامة ومن أعمال الحج خاصة، بناء على أمر المقام السامي تحت إشراف إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، فنسأل الله تعالى التوفيق لهؤلاء العلماء المجندين لهذه المهمة العظيمة حتى يؤدوا واجبهم على الوجه المطلوب بحزم وبإخلاص والله ولي التوفيق.
زمن الوقوف
إن الدارس للسنة النبوية قولية أو فعلية في هذا المسألة إذا عرض عليها أقوال أهل العلم محاولاً التوفيق بينها يخرج بالنتيجة التالية:
وهي أن زمن الوقوف ينقسم إلى قسمين:
1) زمن اختياري.
2) زمن اضطراري.
أما الزمن الاختياري فهو الذي لا ينبغي للحاج مخالفته أو ترك شيء منه في حال سعته واختياره وفي حال عدم الضرورة فهذا الزمن يبدأ من زوال شمس يوم عرفة، ويمتد إلى الغروب وإذا تحقق الغروب جاز للحجاج أن يفيضوا إلى مزدلفة مؤخرين صلاة المغرب ليجمعوها مع صلاة العشاء في جمع (مزدلفة) جمع تأخير ولا يجوز لهم أن يغادروا الموقف قبل غروب الشمس إلا للضرورة أو جهل الحكم فإذا غابت الشمس يفيضون وعليهم السكينة والوقار وألسنتهم تلهج بذكر الله والثناء عليه سبحانه يكبرون ويهللون ويحمدون الله الذي وفقهم لأداء تلك العبادة في ذلك اليوم العظيم وعليهم أن يتجنبوا الإيذاء لأحد بأي نوع من أنواع الإيذاء.
دليل المسألة
نأخذ هذه الأحكام من السنة الفعلية المؤيدة بالسنة القولية أما السنة الفعلية ففعله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع لأنه عليه الصلاة والسلام دخل الموقف بعد الزوال وبعد أن صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً في عرفة لأنه نزل بنمرة وصلى بعرفة ووقف بعد الزوال بعرفة وظل واقفاً عند الصخرات على ناقته القصواء مستقبل القبلة يدعو الله ويثني عليه بما هو أهله سبحانه حتى غاب قرص الشمس من ليلة جمع.
أما السنة القولية فقوله عليه الصلاة والسلام:"خذوا عنى مناسككم" يقول هذا القول لينبه الناس على التأسي به في أعمال الحج قولاً وفعلاً وفي الزمان والمكان.
هكذا يتضح من السنة أن الوقوف بعرفة يبدأ بالزوال من يوم عرفة ويمتد إلى ليلة جمع حتى يجمع الحاج في الوقوف بين الليل والنهار ولا ينبغي مخالفة هذا الهدي في حالة السعة والاختيار والله الموفق.
أما حالة الاضطرار فلها أحكامها
زمن الوقوف الاضطراري
أما الزمن الاضطراري فيؤخذ من حديثين اثنين أحدهما، حديث عبد الرحمن بن يعمر الذي رواه الخمسة وفيه "أن أناساً من نجد سألوه" أي قالوا كيف حج من لم يدرك يوم عرفة؟ فأمر منادياً فنادى "الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك" الحديث والقطعة التي أوردناها هي محل الشاهد من الحديث.
ثانيهما: حديث عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي حيث يقول:" أتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمزدلفة، حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلي طيىء أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: من شهد صلاتنا هذه؟ ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه" رواه الخمسة وصححه الترمذي.
ومن إنعام النظر في هذين الحديثين يمكن القول بأن من كان حاله كحال هؤلاء القوم الطائي والذين جاءوا من قبل نجد تكفيه لحظة من نهار عرفة أو ليلة عرفة إذا تم له ذلك قبل طلوع الفجر من ليلة العيد ولا يلزمه الجمع بين الليل والنهار، وهذا ما عنيناه بقولنا: (زمن الوقوف الاضطراري) وفي حديث عبد الرحمن بن يعمر رأينا القوم سألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يدرك به الحج من زمن الوقوف فكان الجواب من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك فأقل زمن يدرك به الوقوف بعرفة حتى يصح الحج أن يوجد بعرفة قبل طلوع فجر ليلة جمع ولو بزمن يسير يصدق عليه الوقوف الشرعي قاصداً الوقوف إذ "إنما الأعمال بالنيات" هذا ما يؤخذ من حديث عبد الرحمن بن يعمر.
وحديث عروة بن مضرس يدل على ما دل عليه حديث عبد الرحمن على أنه لا يجب الجمع بين الليل والنهار بالنسبة لمن كان حاله كحال الطائي الذي أتعب نفسه وراحلته بحثاً عن الموقف وهذا الطائي الذي يجهل الموقف لا يستبعد إن يجهل زمن الوقوف أيضاً.
واستناداً إلى قوله عليه الصلاة والسلام "الحج عرفة" وإلى فتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله من فاته الوقوف بعرفة ماذا يفعل فقال: " اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك.. الخ" فيتسامح معه ومع أمثاله ما لا يتسامح مع غيرهم، فلا يطالبون بالجمع بين الليل والنهار.
أما من يعرفون المكان والزمان وحضروا في متسع من الزمن وليس هناك ضرورة ملحة تحملهم على ترك الجمع بين الليل والنهار فلا ينبغي التساهل في ترك هدي رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.
وبعد فإن هذا الاستنتاج هو مجرد فهم فهمته من دراسة النصوص المذكورة والمشار إليها في مطلع البحث فإن كان صواباً فمن فضل الله وتوفيقه ولله وحده الحمد والمنة وإن كان غير ذلك فمن نفسي وراجع إلى قصور فهمي وهو أمر معترف به فأسأله تعالى العفو والعافية.
الأحكام الفقهية
وفي ختام هذا البحث تذكر الأحكام الفقهية التي تتعلق بالوقوف بعرفة ونوجزها في الأرقام التالية:
1) أجمع أهل العلم على أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج بل من أهم أركانه ومن فاته الوقوف فلا حج له، فعليه أن يتحلل بعمل العمرة أي يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه. وعليه الحج من العام المقبل سواء كان حجه واجباً أو تطوعاً لأن تمام الحج واجب على كل حال عملاً بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.
2) أما صفة أو كيفية أن يصل الحاج إلى عرفة صباح يوم عرفة بأن يغادر (منى) بعد طلوع الشمس وإذا وصل منطقة عرفة لا يدخلها بل ينزل بنمرة غربي المسجد المعروف ويبقى بها إلى الزوال فإذا زالت الشمس ينتقل إلى عرفة حيث المسجد فيصلى بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً مع الإمام إن تيسر بعد أن يحضر الخطبة التي يشرح فيها الإمام أعمال يوم عرفة وما بعده ثم يذهب إلى الموقف فيرتفع من وادي عرفة ويتجاوز العلامات المنصوبة هناك التي تبين ابتداء الموقف فإذا تجاوزها فيقف حيث يتيسر له الوقوف راكباً أو راجلاً، جالساً أو مضطجعاً إن دعت الحاجة إلى الاضطجاع فيبقى بعرفة حتى تغرب الشمس ثم يفيض إلى مزدلفة ويؤخر صلاة المغرب ليجمع مع العشاء في مزدلفة ودليل ذلك فعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله وغيره ثم قوله عليه الصلاة والسلام "خذوا عنى مناسككم" هذا ولو مرض الحاج فنام في مستشفى عرفة وقد نوى الوقوف بعرفة فقد تم حجه إذا كان عاقلاً أما لو كان مجنوناً أو سكراناً فلا يصح وقوفهما وبالتالي لا يصح حجهما، وهذا الذي ذكرناه من الجمع بين الليل والنهار هو الذي عليه جمهور أهل العلم لكونه موافقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وظاهر مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن زمن الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفه إلى طلوع الفجر يوم النحر فمن وجد بعرفة في شيء من هذا الزمن وهو عاقل فقد تم حجه وقد ناقشنا هذه المسألة في صلب البحث بما فتح الله وذكرنا كيفية التوفيق بين أقوال أهل العلم في هذه المسألة والله ولي التوفيق.
3) وجوب الجمع بين الليل والنهار في حالة السعة والاختيار ومن ترك الجمع بين الليل والنهار فعليه الدم عند جمهور العلماء لتركه الواجب عملاً بحديث ابن عباس "من ترك نسكاً فعليه الدم" أما الإمام مالك فيرى أن من أفاض قبل الليل فلم يرجع فلا حج له. ودليله فعله عليه الصلاة والسلام مع قوله "خذوا عنى مناسككم".
4) لا يتقيد الحاج بموضع معين بجبل الرحمة أو غيره بل يقف حيث تيسر له الوقوف عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام:" وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف" وقد قال الرسول هذا القول رفعاً للحرج وتوسعة على الأمة فعلى الحجاج أن يتمتعوا بهذه التوسعة وهذه الرحمة.
5) أن يقف الحاج زمناً يصدق عليه الوقوف الشرعي بنية الوقوف وهو عاقل غير مجنون ولا سكران (لأن الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى).
6) لا يشترط للوقوف بعرفة الطهارة الكبرى ولا الصغرى، ودليل ذلك قصة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين حاضت في حجة الوداع وهي محرمة بالعمرة فأمرها رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تدخل الحج على العمرة ثم تفعل كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت فوقفت رضي الله عنها وهي حائضة فإذا صح الوقوف مع الحديث الأكبر فصحته مع الحدث الأصغر أولى والله أعلم.
7) وجوب المحافظة على عبادة المسلمين وعقيدتهم بإزالة كل ما يدعو إلى تعلق القلب بغير الله من بناء أو حجر أو شجر كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قطع شجرة البيعة التي كانت بالحديبية وفعله رضي الله عنه عند حجه مع إضافة عموم أدلة وجوب إزالة المنكر وأدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المراتب المعروفة.
وما من شك إن الجهات المسئولة عن الحجاج وشئونهم وتوعيتهم وتوجيههم تملك يداً قوية تستطيع إزالة كل ما أشرنا إليه بعد توفيق الله تعالى والله ولي التوفيق..
محمد أمان بن علي الجامي
عميد كلية الحديث الشريف
والدراسات الإسلامية
بالجامعة الإسلامية- المدينة المنورة
العدد 42، المقال 9
من مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
شبكة سحاب السلفية[/color]