( من ديوان ثورة الشعر )
الأستاذ السيد " عمر بهاء الدين الأميري "معروف عنه أنه من أعلام الأدباء ، والشعراء ، والسياسيين في الوطن العربي، ومعروف عنه قدرته على كسب الأصدقاء بأساليب فذة فريدة ، لا يكاد يجاريه فيها أحد، ولكت هناك نواحي عظمة خفية في هذا الرجل العجيب لا يستطاع رؤياها إلا من خلال سكبة يخرج بها المنكوب من دنيا الناس، ويشهدهم من مرقب معزول، ويتحول إلىمعيار مبصر دقيق يتحسس جوانب الحياة المضيئة والمظلمة، كما تفعل الأقمار الصناعية التي تحاول أن تصور الأرض والأقمار والكواكب من شمس الأرض ، فترى مالايراه الناس في أنفسهم وكواكبهم ودنياهم، وتبصر مالا يبصرون.
وكذلك فقد قدر لي أثناء محنة مريرة قاسية أن أنصهر وأذوب، وأتحول إلى جهاز إنساني دقيق حساس ، وأن أخرج من دنيا الناس وأشهد صورهم وهياكلهم ، وأطوالهم وأوزانهم ، وحتى تحركاتهم الأنسانية في قوالبها الذايتة تلك التحركات التي تصوغ النفس الإنسانية في قوالبها الخفية الكامنة في الأغوار قبل أن تخرج إلى سطح الحياة في شكل أفعال ، وأقول ، وفضائل ، ورذائل ، وأعرفه على الحق الأعمق الشامل لا على السطح الجانبي كما يراه الراؤن.
وإني لأتذكر روعة الغبطة التي كانت تلم بي وأكاد أخرج من جمال ما أرى، كما فعل رواد الفضاء الخارجي وهم يشهدون من عالم الفضاء روعة الألوان السحرية التي تحيط بكوكبنا الجميل وتعيش بينا ولا نراها.
لقد كانت تجربتي الأنسانية قبل عشرة أعوام ، فصلتني عن أعوام طوالن وأحذاث جسام واختلاف بعض الاتجاهات والمواقف السياسية، وظن أنني بهذا الاختلاف والانقطاع قد جفوته شخصياً ونسيته، وكتب قصيدة وعرض فيها بالعتب الأخوي ... وأفزعني... فكتبت الرد عليه في هذه القصيدة:
قلبي فداء المخلب الغضبان
... في حرم العرين
إن شاء أدميت الجفون
له ومزقت الوتين
وصهرت روحي في الصلاة
... له واحنيت الجبين
أنا إن فقدت رضاه تشعر
...عزتي أني مهين
ولئن ذللت له فذلي
...للوفا شرف ودين
إني بما ملكت يداي
... من الحياة له مدين
لو ادعى ملكاً لروحي
... كنت شر الكاذبين
وإن احتجزت عليه انفاسي
أكن كالغاضبين
****
هل لست تعرف عن فؤداي
... ما يكن وما يبين
أو لست تشفق ان تحطمه!؟
...ألست به ضنين؟
أو ليس ملكاً في يديك!؟
...ألست خير المالكين
إن كنت ترفض ملكه
فابحث له عن مشترين
أو كنت تبغي قتله
فاجعل سواك القاتلين
لا تنتبذه كالهراء
فإنه قلب ثمين
****
أنامن عرفت ومن بلوت
فلا تظن بي الظنون
أنا شخصك الثاني ولم
اُمسخ إلى وحل وطين
إن لم اكن أنا انت
...يملكني هواك فمن أكون..؟
أنت الذي حطمت
...أغلالي وكنت ُ بها رهين
أطلقت َ من روحي شهاباً
...في سماء الثائرين
وسللتني عِضباً تذل
... له رقاب الظالمين
سددتني سهماً إلى
أقصى مجال الطامحين
غيبتني وذهبت تنكر
...غيبتي في الناكرين
ووتلومني إذ فت بالتحليق
لم ساعداً لك إذ
رماني خلف حلم الحالمين
وطى حياتي في خضم
... ثائر لا يستكين
****
أنا شوكة في حلق
... طغيان يئن لها انين
أنا بلسم أبداً أسير
... من الجريح إلى الطعين
أُصغي إلى نجوى جراح
... صم عنا البنسلين
أنا شمعة كدحت أشعتها
... وراء الكادحين مدت بشعلتها إلى
احداقهم مد المعين
تذكو تطفئها دموع
...البؤس من حين لحين
يشكو سناها جهل عميان
... وغدر المبصرين
****
أتلومني يا سيد الأبرار
...بين اللائمين
وتظن أني قد تغيرني
تصاريف السنين
أو ان لي جاهاً يحيل
...القلب من دين لدين
وظلمتني من دون أن
تدري كظلم الظالمين
خطأ وأشراط القيامة
...أن ترى في المخطئين
أنا مستمدمنك عزماً
...في المعارك لايلين
وفاء حر لا يحيد
... عن الوفاء ولا يمين
****
أنا عشت في شعبي طوال
...العمر تحكمني يمين..
أعطيتها في عنفوان
... السن للوطن الأمين
سن الحداثة مدها
قيد وراء الأربعين
فأنا بهذا القيد أني
...سرتُ موثوق رهين
ما إن أند إلى الشمال
...ولأأ أشذ إلى اليمين
روحي وإن حلقت عبر
...الكون في وطني سجين
بين الجراحات الوجيعة
...والضحايا الموجعين
بين العبيد... وإن بعثتُ
...الرعب للمستعبدين
بين الرقيق وإن فضحتُ
...خرافة المتأليهن
أحيا مع الشهداء في
سبأٍ هناك وفي معين
وأعيش بينهمو كأني
..صاحب فيهم قرين
يبكيهم شعري ويجري
إثرهم دمعي الهتون
وأروع قاتلهم واجعل
... سجنه العرش المصون
وأذيقه منملكه
ونعميه طعم المنون
****
هذي شفاعاتي إليك
وانت خير الشافعين
حق الأخوة أن أدل
...عليك دل أخ ضنين
وأغيب عنك بدون أن
أدلي بعذر أو أبين
أو لست َ روحاً في دمي
يجري كجري الأكسجين؟
أو لست نبضاً جارفاً
قلبي وومضاً في العيون
كشف البديهيات إهدارٌ
...لفهم المدركين
إثبات نور الشمس أسخف
...من جحود الجاحدين
ولعل قلبك أن يحس
...بما أحس من الشجون
ولربّ لماح يرى
الأعماق رأى الخالفين
****
إني لأحيا بالمعزة
...في بلاد الأكرمين
الرافعي علم العروبة
...فوق هام العالمين
الصامدين أمام تيار
...الأعادي الطامعين
الواقفين مواقف الآساد
...في قلب العرين
الساحقين بعزمة الأبطال
..هام المعتدين
الحاملين على عواتق
..حكمهم عبء القرون
الصاعدين إلى الذرى
متضامنين مصممين
الطالعين على الظلام
كطليعة الصبح المبين
الصانيعن نواة وحدتنا
... تراث الأولين
المنقذين قناتنا
من قبضة المتلصصين
المنصفين الفقر من
شطط الغواة المترفين
الباعثين من التراب
جلال ماضينا الدفين
يكفيهم حرب الشيو
عيين والمستعمرين
كره العدى لهم دليل
..أن حكمهمو أمين
بشرى لناأنا نؤازر
.. عهدهم متجمعين
ندع الخلافات الصغيرة
تنمحي بيد السنين
يطغى عليها حسنا
بخطوة المتربصين
الواضعين لشعبنا
في كل منعرج كمين
في درس خالد ما يؤهلنا
..لمجد الخالدين
ماكان يحدث لو عصى
عمراً أمير المؤمنين؟
واقتاد جيشاً ضد جيش
..الزاحفين الظافرين؟
عدنا إذاً رعيان شاة
..في الرمال ممزقين
وارتد خالد عن بطولته
..ارتداد الناكصين
وهوت عروبتنا ضحية
..قادة متنافسين
حرب المصائر لو خسرناها
..هلكنا أجمعين
****